توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لذّة القراءة

  مصر اليوم -

لذّة القراءة

بقلم - نبيل عبدالفتاح

ما معنى أن تتحدث عن القراءة في عالم يتغير على نحو سريع ومكثف؟ ما تأثير التحول من الورقي الذي رسم العالم في العصور الحديثة إلى الثورة الرقمية الهادرة ولغتها المتطورة، التي تقوض أبنية فكرية ومفاهيمية ومناهج تحليل، وأساليب تفكير؟ هل الأساليب القرائية التي تتعامل مع النصوص المكتوبة والورقية ستستمر؟ هل يحدث تغير في نمط القراءة الرقمية؟ ما مستقبل المكتبة الورقية؟ الحديث عن القراءة، هو في بعض أبعاده بوح، وعشق، وحب، وصداقة، ووحدة، وانفراد، وعزلة، من ثم تأخذك القراءة إلى لغة مغايرة يغلب عليها، سرد نمط حياة في جانبها الحميمي حيث صداقة الكتب والمقالات والمقولات والحكمة، ناهيك بعوالم متعددة ومتداخلة، ومتمايزة! القراءة فضاء من الاستيعاب والأفكار، والنقد، وتوالد الأفكار الجديدة لدى بعضهم، من ثنايا الأفكار المقروءة، أو مغايرة لها، أو متداخلة ومطورة لها! عالم من الفرح والسعادة، والهم والألم وصدمة الأفكار وزلزلة اليقينيات التي يزرعها الآخرون في حياتنا، العائلة والأسرة، والطائفة والعشيرة، والقبيلة، والعرق والدين والمذهب، والمدرسة، والنظام السياسي والسلطات الدينية الوضعية – المسجد والكنيسة والمعبد والحزب السياسي والمدرس والمدرسة، وقوانين الأعراف والتقاليد، وقانون الدولة -... ! إلخ. القراءة فعل تحرر من الأوهام في أحد أبعادها، وهي حالة شغف وتماهٍ، وانفصال إنها حالة صوفية يعيشها بعضهم، ويتداخل فيها بعض الحلول بين القارئ والكاتب، أو حالة رفض وغضب أو خزلان الكاتب للقارئ. الكتابة عن القراءة مراوغة، تخايلك وتعطيك الإحساس بأنك قادر على القبض على التعبيرات الملائمة لحالة تبدو غائمة بقدر وضوحها، ومراوغة على الرغم من تصور الكاتب عن القراءة أنها ملك يمينه، ومن ثم قادر على اقتناصها، والتعبير الدقيق والعميق عن مكنونها الخفي، وروعتها الساحرة وأنه يستطيع التعبير الاستثنائي عن سر السحر وفك طلاسمه الغامضة ومفاعيله المدهشة في القارئ، داخلك أنت الكاتب/ القارئ، وسرعان ما يصدمك إخفاقك، وتذهب إلى السلوى وأن بعض الكبار من القراء من الكتاب المرموقين كونيًا كتبوا عن القراءة والمكتبة والكتاب، ولكنهم حاولوا محض المحاولة، وعلى الرغم من كتابتهم المشرقة والذاتية فإن محاولات بعضهم بائت بالخذلان. لم تستطع بعضها مراودة السحر المبين إلا قليلاً!. القراءة المعنى والرمز والدلالة ليست قصرًا على المقدس بداهة، ولكن قراءة المقدس، تجعله يحل في فعل القراءة ويغلفها ويضفي صعوبة استثنائية على عملية القراءة، وتستدعى قراءة المقدس قراءات حوله وعنه بحثًا عن اليقين، أو دعمًا له. بعض رجال الدين يحاولون إضفاء تعقيدات على المقدس لأن السياجات التي يفرضونها على النص المقدس، تؤسس لمكانتهم، ودورهم في حياة الآخرين، وسعيهم لهندسة نظام حياتهم ودواخلهم وحميمياتهم، ويصل غلو بعض هؤلاء إلى محاولة بناء هندسة لغوية في كيفية الحديث، وفي تديين اللغة أيًا كانت لا سيما في ظل تمدد الفكر الديني السلفي والجهادي الراديكالي لدى الجماعات الإسلامية السياسية. ثم نزوع نحو احتكار القراءة وتأويلها، على أساس أن النص يحتاج إلى وسيط بينه وبين الناس بقطع النظر عن قولهم أنه لا وساطة بين رب العزة جل جلاله وبين المؤمنين والناس، إلا أن الواقع التاريخي كشف عن تأسيس بعضهم للوساطة التفسيرية والتأويلية والإفتائية والفقهية. قراءات المقدس لا تعدو ولا تجاوز كونها محضُ قراءات، ولا تحتكر وظيفة القارئ الآخر ولا التأويلات المغايرة لسلطة القارئ الديني الرسمي، أو اللا رسمي من منظري ومؤولي الجماعات الدينية السياسية واختيارات بعضهم الانتقائية الأيديولوجية المحمولة على الأغراض السياسية. أحد أسباب نمو التطرف العنيف والدامي والإرهابي، هو هذا النمط الانتقائي من القراءات للمقدس والسُّنوي في الإسلام السني الأكثري، والإسلام الشيعي الأقلوي. هذه القراءات المذهبية أدت إلى انقسامات حادة في الإسلام الواحد! هذا النمط من الوسطاء المحترفين بعضهم لعب أدوارًا سلبية في الحيلولة بين القارئ وبين المعاني والدلالات العميقة للنص المقدس، واستبعدوا معاني الحرية والمساواة والعدالة والتسامح والمحبة والأخوة الإنسانية، لصالح لغة الترهيب والتكفير والغلو والتحريمات والقيود وسعيهم لأسر روح الإيمان لتغدو تحت سطوتهم وسيطرتهم! بينما المقدس يحمل كل المعاني النبيلة التي تصالح المؤمن/ الإنسان وبين حياته وإيمانه وعقائده وطقوسه. من هنا يبدو دور الوسيط التأويلي المتشدد كحاجز بين الإنسان وذاته والمقدس في عملية القراءة، ويفقد القارئ حرية التأويل والتفسير، وحرية ومتعة القراءة. هذا لا يعني تحرر القارئ للمقدس من بعض القواعد أو القراءات الأخرى، ولكن لديه حرية الاختيار بين القراءات أو تجاوز بعضها عندما تكون لديه خبرة القراءة والوعي المعرفي والتكوين الثقافي ما يسمح له بأن تكون لديه ملكة القراءة الحرة، ومتعتها الصافية. فعل القراءة لا يقتصر على المقدس، وإنما أوسع إطارًا وأكثر حرية لا سيما في ظل نظريات موت الكاتب/ المؤلف -بارت واتباعه- ومن ثم أدى إلى انبثاق سلطة القارئ وحريته، وتمتعه بلذة النصوص التي يتناولها فعل القراءة وجمالياتها وآفاقها! سلطة القارئ هي ما يعطى فعل القراءة لذته كعملية عقلية ووجدانية وتخيلية ونقدية، هل هذه السلطة محررة من "القيود" أو "الشروط" أو "الضوابط"؟ القيود والشروط والضوابط ليست أحجبة حاجزة أو سياجات حول حرية القارئ وتأويلاته وإنتاجه للنص مجددًا وفق قراءته له، لكنها جزء متمم لفعل الحرية إزاء النص أو الخطاب أيًا كانت مجالاته وجنسه ونوعه وتخصصه! لا سيما في النصوص المركبة التي تحتاج إلى معرفة ووعي نقدي وإلمام بمصطلحات النص في الفلسفة والقانون والسياسة وعلم الاجتماع بفروعه المختلفة، أو الفنون التشكيلية وخطاباتها النقدية واصطلاحاتها! فعل القراءة وحرية القارئ وسلطته قد تبدو في بعض الأعمال السردية الروائية والقصصية والشعرية والمسرحية، حيث تنطلق طاقة التخييل والتأويل في حرية إزاء العمل السردي، إلا أن بعض الأعمال تحتاج إلى معرفة ووعي وممارسة بل وخبرات قرائية متراكمة لفك بعضُ أسرار ودخائل بعض النصوص والكتابة كي تتحقق لذة القراءة كاملة وتعطي للقارئ المتعة القرائية. خذ على سبيل المقال قصيدة النثر عربيًا وكونيًا، تحتاج إلى ممارسة قرائية للشعر ومدارسه وتطوراته في عمق حتى يمكن فك أسرار عوالم القصيدة النثرية، واللغة الشعرية لدى كل شاعر وعوالمه وأخيلته غير المألوفة بل وشطحاته، وكسره لمألوف الشعر السابق على سطوع قصيدة النثر أوروبيًا وعربيًا وعربيًا وكونيًا! هل صحيح أن موت الكاتب أعطى للقارئ السلطة والحرية؟ هل القارئ الورقي حل محل الكاتب؟ هل يمكن قبول حكم رولان بارت على إطلاقه؟ هل مات القارئ الورقي لصالح القارئ الرقمي؟! للحديث بقية

نقلا عن موقع الدستور المصريه

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لذّة القراءة لذّة القراءة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon