بقلم - نبيل عبدالفتاح
إن قيادة مصر للاتحاد الإفريقى فرصة تاريخية، حتى لو بدت وكأنها تداول تقليدى منظم للاتحاد بين الدول الأعضاء، وذلك لأننا نحتاج لأن نبذل من الجهد الخلاق، والعمل الكفء فى الشئون الإفريقية، ما يؤكد عمق روابطنا التاريخية بالأشقاء الأفارقة، وأن المكون الثقافى الإفريقى يشكل أحد روافد ومحركات الثقافة المصرية، ومن ثم قدرة الإبداع المصرى فى القانون، والأدب، والفنون والسينما والموسيقى والمسرح، على أن يسهم فى رفد حيوية الإبداع الإفريقى. إن اختيار القانون كمجال للإبداع ليس أمرًا غريبًا، لأن العقل القانونى الخلاق هو إبداعى بامتياز
الكفاءة القانونية الإبداعية المصرية لا تقتصر فقط على الكتابات النظرية، ولا الأبحاث القانونية، وإنما تركزت تاريخيًا فى الأدوار البارزة التى لعبها القضاء المصرى العريق فى تطويع الهندسات القانونية الوضعية الغربية اللاتينية مع الواقع الاجتماعى والتاريخى المصرى المختلف، منذ نهاية القرن التاسع عشر، فى إطار عمليات بناء الدولة المصرية المدنية الحديثة، وهياكلها الإدارية والأمنية والعسكرية والاقتصادية. الدور الخلاق فى تطبيق الآلة القانونية الغربية على الواقع الاجتماعى فى مصر، أدى إلى تنشيط التنظير القانونى، والنزعة التأصيلية، والروح التاريخية والاجتماعية فى صياغة المبادئ القضائية التى قامت بها المحاكم الوطنية، لاسيما عقب اتفاقية مونتريه الذائعة الصيت عام 1937.
من هنا يتعين علينا عدم تناسى الدور المركزى والتاريخى الذى لعبته محكمة النقض، فى إرساء ميراث تاريخى من المبادئ القانونية العامة فى مجال القوانين المدنية والتجارية والجنائية، لاسيما فى إطار ضمانات الحريات الفردية الموضوعية والإجرائية، وغيرها من المبادئ التى تشكل علامات فى التاريخ القضائى الإفريقى المقارن. من هنا يبدو من الأهمية بمكان تأسيس منصة رقمية لمحكمة النقض المصرية ولمحاكم النقض الإفريقية أو لمن يماثلها فى الأدوار والوظائف القضائية والقانونية، يتم من خلالها عرض تراث المبادئ القانونية التى انتهت إليها هذه المحاكم فى القضايا الجنائية والمدنية والتجارية... إلخ، وعرض القوانين التى تقوم هذه المحاكم بتطبيقها فى المنازعات التى ترفع إليها، باللغات الإنجليزية، والفرنسية والعربية، مع عرض نظرى وتطبيقى لطبيعة النظام القانونى السائد فى كل بلد من البلدان الإفريقية، وأن يتم تجديد دورى ومنتظم لهذه الأحكام أو التعليقات العلمية عليها.
لذا تشكل المنصة الرقمية، والمؤتمر السنوى الذى تعد له محكمة النقض بقيادة رئيسها ونوابه الإجلاء أداتين مهمتين فى حركتنا الناعمة إزاء القارة الإفريقية، ويمكن أن يساعدهم بعض أساتذة القانون، ودعم وزارة العدل والخارجية، والدعم الأكبر من مؤسسة الرئاسة التى تشكل الرافعة الأساسية للتحرك السياسى المصرى إزاء القارة، من خلال بعض الأدوات النوعية الخلاقة فى المجال القانونى على نحو ما تقوم به المحكمة الدستورية العليا بكفاءة واقتدار من خلال رئيسها ونوابه البارزين، وهو نموذج يتعين دعمه وتطويره.
إن إطلالة مصر القانونية بخبراتها القضائية المميزة على الجماعات القانونية والقضائية الإفريقية يجعلها تؤثر بنعومة وسلاسة فى النخب القضائية الإفريقية، ومن ناحية أخرى يفتح الأبواب أمام النخب القضائية والقانونية المصرية إلى رفد خبراتها الوطنية بتجارب جديدة من خلال الاطلاع على الأنظمة القانونية والقضائية الإفريقية المقارنة، سواء على مستويات التنظير الانجلو ساكسونى أو اللاتينى أو الإفريقى، أو التطبيقات على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، لاسيما المشكلات الجديدة المعولمة والعابرة للحدود، ومعرفة الحلول الجديدة التى قدمها القضاء الإفريقى لها.
إن حركتنا الدءوبة والنشيطة المأمولة فى المجال القضائى فى إفريقيا، لابد أن تستكمل فى المجال الثقافى من خلال رسم إستراتيجية ثقافية جديدة تجاه إفريقيا، ترمى إلى إيلاء عناية بالترجمة عن الآداب الإفريقية، وعن تاريخ الدول والثقافات والأنظمة السياسية لدول القارة.ثمة حاجة لكى تتم ترجمة مئات الروايات والمسرحيات والمجموعات القصصية ودواوين الشعر الإفريقية إلى اللغة العربية، لأن ذلك سيثرى الأدب المصرى والعربى، وسيسهم فى تطوير السرديات السائدة، ويفتح الوعى والمخيلة أمام تجارب إبداعية مختلفة، من ناحية أخرى سيؤكد لأشقائنا الأفارقة مدى وعمق الاهتمام المصرى بالثقافات الإفريقية.
من ناحية أخرى تشهد السينما الإفريقية تجارب جديدة ومختلفة، وتحتاج مصر إلى تنظيم مهرجان سنوى جاد للسينما الإفريقية تنظمه الدولة المصرية وتخصص له جائزة مجزية تبلغ خمسين ألف دولار سنويا، من خلال تنظيم محكم يتجاوز بعض أداءات الهواة من بعض الجمعيات الأهلية، وليكن اسم المهرجان أسوان للسينما الإفريقية.
يمكن أيضا أن يخصص مهرجان آخر للمسرح الإفريقى، لعرض التجارب المسرحية الإفريقية الجديدة بالتناوب مع مهرجان السينما، وتخصص ذات الجائزة للمسرحية الفائزة. لا شك أن هذا التحرك الثقافى حال دراسته فى عمق وكفاءة سيسهم فى دعم حركتنا إزاء القارة، وسيساعدنا فى الفهم والوعى والبصيرة والحساسية إزاء تحولات كبرى تتم فى إفريقيا الجديدة التى تتغير بسرعة، ولا تزال صورنا النمطية التقليدية ساكنة فى وعينا المغلوط عنها. هيا للعمل.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع