توقيت القاهرة المحلي 08:52:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإباحية ليست حلًا

  مصر اليوم -

الإباحية ليست حلًا

بقلم : مي عزام

(1)

أثارت إعلامية مصرية تعمل فى قناة «إم بى سى» مصر عاصفة من الانتقادات والتعليقات، ليس بسبب محتوى الحوار الذى أجرته مع محافظ جنوب سيناء، بمناسبة احتفالات انتصار أكتوبر، لكن بسبب ما كانت ترتديه؛ فلقد ظهرت بثوب مكشوف الصدر بشكل فج، يصلح لحضور حفل زفاف أو سهرة فى ديسكو، ولم تراعِ ما يسمى بـ«درس كود»، وهو الزى الملائم للمكان والوظيفة.

فى الفترة الأخيرة لاحظت، تخلى عدد كبير من الفنانات والإعلاميات المصريات عن المظهر المناسب، ومحاولتهن التشبه بمثيلتهن فى الغرب فى التعرى، ورغم اختلاف العادات والتقاليد، فهناك من يرى المظهر حرية شخصية، مهما كان مخالفا لعادات المجتمع، وهنا لا بد أن نتأمل فى مدى تأثير العولمة على المجتمع المصرى.

(2)

الحضارة الغربية التى نعيش فى كنفها وحتى إشعار آخر لم تحقق ما حققته من تنوير وتقدم علمى، إلا بعد أن أعلنت انفصال الدين عن الدولة، ونقلت الفرد من تبعية الكنيسة وعبادة الخالق إلى تبعية الرأسمالية وعبودية العقل والعلم. هذه الحضارة لم تقدم منظومة أخلاقية بديلة عن الموجودة فى الأديان السماوية، بل قدمت حزمة قوانين منظمة لسلوك الأفراد فى المجتمع تلزم الفرد بعدم التعدى على حقوق الآخرين وأملاكهم، ولكنها لا تحثه على الإحسان إليهم والترفق بهم والتصدق إليهم، بالتأكيد القوانين ضرورية وفعالة، لكنها ليست بديلا عن الضمير والإيمان بوجود خالق يراقب فى السر والعلن.

(3)

استبدال التعاليم الدينية بحزمة قوانين منظمة للمجتمع وحصر الدين فى دور العبادة، لم يعد كافيًا أمام تطور النظام العالمى بقيادة أمريكا، والتبشير بديانة جديدة هى: «العولمة» التى تحارب الثقافات المحلية والنظم الاجتماعية التقليدية والنصوص الدينية، وكل ما يقف عثرة فى طريقها، فالمطلوب محو ذاكرة الشعوب ونسف انتماءات الفرد إلى وطنه وعقيدته ومجتمعه المحلى، حتى تتمكن من إعادة توجيه فكر الناس فى مختلف بقاع الأرض، وتحويلهم من مواطنين إلى مجرد مستهلكين وزبائن. وحتى يتم ذلك لا بد من تدمير ومحو كل الهياكل الاجتماعية القائمة وخلق حالة من التشظى وتفكيك أواصر التكافل الاجتماعى، فهدف العولمة «الفرد»، ومن أجل ترغيب الفرد وجذبه إلى الديانة الجديدة، ركزت على فكرة حق الفرد فى المتعة بلا حدود وإشباع شهواته دون قيود، وفى حال تعارض ذلك مع قوانين مجتمع ما يكون التدخل لتعديل قوانين المجتمع لصالح الفرد.

(4)

الزواج التقليدى الذى كان حجر الزاوية فى تأسيس الأسرة يترنح الآن أمام مسميات مختلفة لعلاقة الرجل بالمرأة، وكذلك تتعرض الأسرة لضغوط هائلة نتيجة توحش الرأسمالية وانخفاض برامج المساعدات الاجتماعية والتأمين الصحى والبطالة وغيرها، الحفاظ على الأسرة كوحدة ليس من أهداف العولمة ولم تعد من وظائف الحكومات.

العالم تقوده حفنة من الأثرياء يعملون من أجل زيادة ثرواتهم بقوانين تصدرها الدول، لما لهم تأثير فى الإعلام والانتخابات. الشركات العملاقة والعابرة للقارات لم تعد تملك ثروات ضخمة فقط، لكن معلومات تستطيع بها توجيه سلوك الناس عبر الإعلام والدعاية والعلاقات العامة وتحفيزهم على القيام بأفعال بعينها، العولمة بالنسبة لى معادل للقولبة، ولقد ساهمت ثورة الاتصالات وتطبيقات الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماع فى ذلك، كل الخدمات المجانية المقدمة، مستخدمها هو السلعة التى تقدم لمن يدفع الثمن.

(5)

عدد من المفكرين الغربيين تنبهوا ونبهوا مجتمعاتهم إلى مساوئ ما بعد الحداثة والعولمة والنيوليبرالية، مثل زيجمونت باومان ونعوم تشومسكى وديفيد كورتين وغيرهم، وهنا لا نجد من ينبهنا ولا من يناقش الأمر فى الإعلام، ونحن أولى منهم بالتنبه والتأمل، وخاصة أن المجتمع المصرى يفتقد البوصلة منذ عقود، وهناك فئات منه لها تأثير على العامة، تميل إلى استيراد بعض مفاهيم العولمة التى تسهم فى هدم ثوابت المجتمع واستقراره، وليس لها تأثير إيجابى، فالإباحية التى يحاول البعض تقنينها، ليست حلا لمشاكل مصر، بل تضاعفها.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإباحية ليست حلًا الإباحية ليست حلًا



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon