توقيت القاهرة المحلي 09:04:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صديقة.. من العالم القديم

  مصر اليوم -

صديقة من العالم القديم

بقلم : مي عزام

 «سأنتحر»، قالت الكلمة بانفعال ثم انخرطت فى نوبة بكاء هستيرى، حاولت تهدئتها، لكن حالتها ازدادت سوءاً، كان جسدها ينتفض وهى تبكى بحرقة، لم يكن بإمكانى أن أفعل شيئا سوى الصمت واحتضانها بود، لعلها تهدأ وتحكى..

لم تكن هذه سلوى التى عرفتها، لم تكن هذه المرأة البدينة المحطمة هى نفس الفتاة الطموحة التى كانت تملأ الدنيا مرحا من حولها، ولم تكن حالتها تدل أبدا على أسلوبها القديم كفتاة عصرية عاشت قصة حب جميلة فى رحاب الجامعة انتهت بزواج غير تقليدى، فماذا حدث لسلوى؟، وأى مأساة انتهت بها إلى هذا التحول العجيب؟

كانت ظروف الحياة قد فرقت بيننا منذ سنوات طويلة، حتى انقطع التواصل، وفى مطلع العام الحالى فاجأتنى باتصال تليفونى، لم يكن صوت سلوى فى التليفون هو نفس الصوت الذى أتذكره، اضطرت لتذكيرى بنفسها، اعتذرت بتودد، وألقيت بالمسؤولية على الزمن والمشاغل، وحاولت أن أداعبها بطريقتنا القديمة، لكنها استقبلت دعابتى بفتور أحرجنى أكثر، تواعدنا على اللقاء وانتهت المكالمة لكن دهشتى لم تنته، حتى إننى شككت أن تكون المتحدثة هى نفسها سلوى التى كنا نشبّهها بسعاد حسنى، كان صوتها باردا وحديثها بلا ذكريات، ولما التقينا فى اليوم التالى لم أعرفها، وجدت سيدة بدينة منكوشة الشعر تتجه نحوى مباشرة، لم أتخيل أبدا أن تكون سلوى، لكنها صعقتنى وقالت: «إزيك يا مى»، حاولت استدراك الموقف: ووقفت لأحتضنها وأنا أقول بود: «أهلا يا سلوى، وحشتينى، عاملة إيه؟» فوجئت بردها: «قررت أنتحر». لم أستوعب الكلمة، وتداخلت مقالب زمان مع الحالة التى أراها عليها الآن، فلم أعرف هل ما تقوله هزار أم جد، وقلت لها: «سيبك من الكلام الوحش ده واحكى لى» فصرخت بعناد: «هنتحر يعنى هنتحر»، ثم دخلت فى نوبة البكاء الهستيرى، كانت كلماتها مبعثرة، وعيناها شاردتين، ويداها ترتعشان وهى تقبض على سيجارة لا تنطفئ. جلسنا أكثر من ساعتين حكت لى مقتطفات من حياتها، وفهمت أن الأمور مضت عكس مسيرة الأحلام التى لونتها سلوى بخيالها فى بداية الرحلة، فقد سافرت مع زوجها للعمل، وهناك تحولا إلى آلة لجمع الأموال، وأهمل كل منهما الآخر حتى انتهت الأمور بانفصال بارد، ثم زواج ثان متعجل انتهى بفشل آخر، وعودة بآمال جديدة لمصر، ثم انكسارات متوالية دمرت كل ما فى حياتها، وقالت لى: لم يبق فى ذاكرتى من القديم والجديد سوى علاقتى بك، فطاردنى هاجس البحث عنك، وعندما لم تعرفينى، ولمحت نظرة الدهشة فى عينيك، شعرت أننى انتهيت، وقررت الانتحار والتخلص من هذه الحياة..

استعادت سلوى هدوءها بعد عدة جلسات للفضفضة، وفى إحدى الجلسات سألتها: انت صحيح ممكن تنتحرى يا سلوى؟

فقالت وهى تبتسم بأسى: «إحنا متنا من سنين يا مى.. ولا عزاء لأبناء الطبقة الوسطى».

كلمات سلوى كانت بمثابة وخز الإبر، أشعرتنى بهزيمتى الفردية وهزيمتنا الجماعية، نحن جيل سعى آباؤنا لتربيتنا وتعليمنا ظنا منهم أنهم يسلحوننا بأقوى الأسلحة وأشرفها، لم يكن أحد يتصور أن التربية والتعليم يمكن أن تكون عائقاً فى زمن يفضل فيه غياب الوعى والأخلاق، قصت علىَّ سلوى أنها حين سافرت للعمل بالخارج مع زوجها، كانت تحلم بالتميز على أقرانها بالسلع المستوردة التى ظلت محتفظة بها فى صناديقها، قالت: «بعد فشل زواجى من كريم، جلست فترة عند «ماما» حتى أشترى شقة، الفترة امتدت لسنوات ومدخراتى كانت تتآكل بفعل التضخم، وعندما نقلت لشقتى أخيرا وأخرجت ما حرمت نفسى لأشتريه كانت بنت أختى تساعدنى فى الترتيب، وقالت لى وقتها: «ياه يا طنط الحاجات دى موضة قديمة قوى!» صرخت فى وجهها وقلت: (انتى عارفة الكاسات الكريستال دى بكام والطقم الابيسون الفرنساوى.. كان من بين هذه الأشياء فيديو ضخم وأقمشة سواريه وصوف وأطقم صينى ومفارش سفرة وسرير قطيفة وسيرما، اكتشفت أننى أضعت سنوات عمرى فى اقتناء كراكيب لا تصلح لهذا الزمن، وعندما عدت لعملى فى القاهرة اكتشفت أن الأمور تغيرت، لم أعد أستطيع أن أساير مديرى الشاب الذى يطالبنى بأن أكون عصرية مثل الأخريات أتعامل بالكمبيوتر، شعرت بغربة وتأملت الوضع من حولى فوجدت أن كل شىء أصبح فى متناول الجميع، كل الأشياء الأصيلة الثمينة تقلد بأرخص الأسعار. لم أحتمل، أخذت إجازة بدون مرتب وجلست شهورا بدون عمل أعيش على مدخراتى القليلة الباقية، ومنذ ذلك الحين بدأت معاناتى مع زيادة الوزن، كرهت صورتى فى المرآة وكلما بدت الأمور سيئة كنت أقبل على الطعام بشراهة، وتمنيت أن أتخلص من حياتى كلها، وعندما تحطم عالمى فكرت فيك، فأنا أتابع كتاباتك، قلت لنفسى لمَ لا أكلمها لعلى أجد لديها حلا أو على الأقل أفضفض مع صديقة من عالمى القديم».

نقلًا عن المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صديقة من العالم القديم صديقة من العالم القديم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon