بقلم : مي عزام
(1)
نتحدث كثيرا عن التغيرات التى حدثت فى المجتمع المصرى. معظم الحديث يتناول هذه التغيرات بصورة سلبية. هناك دوما من يعود بخياله إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، حيث كانت مصر جميلة، وشوارعها نظيفة ونساؤها أنيقات، ورجالها يتحلون بأخلاق الفرسان، وبالرغم من أن هذا يمثل اقتطاعا من النص، فمصر لم يكن هذا حالها فى العموم، لكن حنين عموم المصريين إلى الماضى ملازم لهم، باعتبار الماضى دائما أفضل مما يعيشونه فى الحاضر، وهى ظاهرة لا تخدم المستقبل، وتختزل الواقع بما فيه من إيجابيات وسلبيات والتغيرات الكبيرة التى حدثت فى المجتمع منذ ذلك الحين.
(2)
د. جلال أمين حاول أن يرصد بطريقته التغيرات التى حدثت فى المجتمع المصرى خلال نصف قرن، من 1945-1995 فى كتابه ماذا حدث للمصريين؟ خمسة عقود من التحولات الكبرى فى تاريخ مصر الحديث، حيث تغير نظام الحكم من ملكى إلى جمهورى اشتراكى، ثم رأسمالى، خاض الجيش 4 حروب، بداية من حرب فلسطين إلى حرب أكتوبر، تغير الهرم الاجتماعى أكثر من مرة، ومعه منظومة القيم والأولويات، ومن 1995 حتى الآن حدثت تحولات كبيرة أيضا لكن لم تتم دراستها رغم أننا جميعا نشعر بها ونعيشها.
(3)
عام 1996 يمثل عام تحول كبير، حيث دخلت مصر، دون مساهمة منها، عصر ثورة الاتصالات، بدأ استخدام الإنترنت، وأصبح متاحا لمن يريده ودخلت خدمة التليفون المحمول، هذا التغير صاحبه تغيرات أخرى خاصة بظاهرة العولمة، عرفنا أنماطا وطرزا من الأسواق والعمارة والأعمال ووسائل التواصل... إلخ، جديدة كليا على المجتمع المصرى، أثرت فى ردود أفعاله، ودفعت بالشباب إلى المقدمة. الخبرة المطلوبة لهذا العصر لم يعد يملكها كبار السن والأسطوات، بل الشباب القادر على استيعاب هذا القدر المذهل من التحول التقنى، منظومة الوظائف والأجور تأثرت، وكذلك منظومة الأولويات.
(٤)
نتيجة البث عبر الأقمار الصناعية، أصبح إعلام السموات المفتوحة يشاركنا حياتنا، تأثيره لم يصبح محدودا بحدود البلد، كما كان، بل أصبح عابرا للحدود، الإنفاق عليها تجاوز الإنفاق على الصناعات الثقيلة، فهو من أهم أدوات القوى الناعمة. أصبح للإعلام نجوم ورسل.. معجبون وأتباع مخلصون، تأثيرهم لا يقل عن كبار رجال الدولة والمال والأعمال، ودخلوا فى معادلة السلطة والنفوذ.
(٥)
عرفت مصر من عام 1996 تجربة الصحف المستقلة، وبالرغم من وجود صحف حزبية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى، فلم تصنع منظومة صحفية جديدة، نظامها التحريرى كان يماثل الصحف القومية تقريبا مع هامش حرية ونقد أكبر، لم تمثل ثورة مثلما حدث مع الصحف المستقلة، التى تصدر رئاسة تحريرها صحفيون شبانٌ قدموا تجربة مختلفة، وأصبحوا نجوما وقدوة خلال سنوات معدودات، هذه الصحف تحولت لصانعة نجوم وقاطرة التغيير ونموالمجتمع المدنى وتطور تأثيره.
(٦)
جسدت هذه السنوات فكرة التثوير. الأفق كان يتسع أمام الشباب الذين استطاعوا أن يتصدروا المشهد عبر الإعلام: صحافة وتليفزيون، ووسائل التواصل الاجتماعى التى تضاعف تأثيرها، هذه التغيرات التى ظهرت للعيان كواقع جديد كانت جزء من ظاهرة انتصار الصورة التى بدأت تنتشر فى العالم أجمع.
(٧)
السنوات من 1996- 2018 فترة عايشتها، حدث فيها تحولات كبيرة فى مصر والأقليم، وستكون موضوع مجموعة من مقالاتى القادمة، لست متخصصة فى علم الاجتماع ولا أدعى أن لدى منهجا علميا سأطبقه، لكنى سأحاول أن أكتب عن ظواهراجتماعية لفتت انتباهى كصحفية وكاتبة، وأعتقد أن معرفة جذورها قد تفيدنا فى التخطيط للمستقبل، وخاصة أن بعضها جعلنا كالقنفذ، كلما اقتربنا من بعضنا لا ينالنا إلا الوخز والألم.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع