توقيت القاهرة المحلي 09:08:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المستقبل.. اخسر ماضيك.. تكسب مستقبلك

  مصر اليوم -

المستقبل اخسر ماضيك تكسب مستقبلك

بقلم : مي عزام

«قديما قال العقاد: «لست أهوى القراءة لأكتب، وإنما أهوى القراءة لأن عندى حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفينى، والقراءة تعطينى أكثر من حياة» وأنا أردد العبارة نفسها لكن يحل لفظ السينما محل القراءة، فكل فيلم جيد يجعلنى أكثر صلة بالحياة وفهما لها وتعمقا فيها.. باختصار يقدم فلسفة الحياة.. وهذا ما أقدمه فى هذه الزاوية الأسبوعية التى تختلط فيها الفلسفة بالسينما، واخترت لها مصطلحا يمزج بينهما.

ماذا لو تحققت كل مخاوفك؟ وفقدت بين ليلة وضحاها كل ما كنت تأمل فى الحفاظ عليه وما تعودت أن تتمسك به وما ظننت أن الحياة بدونه مستحيلة، ماذا يمكن أن يحدث لك حينذاك؟ هل فكرت يوما فى ذلك؟ هل حاولت أن تكتب بنفسك ولنفسك سيناريو الخسارة؟ وأن تجعل له نهاية مثل الحياة.. متقلبة.. حزينة.. ومبهجة.. فيها مكسب كما فيها خسارة.. الحياة دائما تحمل لنا مفاجآت.. فلا أحد يعرف ماذا يخفى لنا المستقبل ولا ما ينطوى عليه الغيب.

نخسر كثيرا، حين لا نعرف كيف نتقبل الخسارة ونُهيئ أنفسنا لها، تصبح الخسارة خوفنا المعلق فوق رؤوسنا وأداة للسيطرة على عقولنا، يكسب من يرى فى الخسارة إضافة وليست خصما، فكل شىء يحمل فى طياته نقيضه، وهو ما نعبر عنه دوما بالنظرة إلى نصف الكوب الممتلئ وليس الفارغ.

حول هذه المعانى الفلسفية التى تلمس عمق الحياة تدور أحداث الفيلم الفرنسى «المستقبل» L›avenir، إنتاج 2016، الذى حصلت مخرجته الفرنسية الشابة ميا هانسن لاف (37 سنة) على جائزة الدب الفضى فى مهرجان برلين منذ عامين وهى التى كتبت سيناريو الفيلم، وقامت ببطولته الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير(65سنة)، الذى حصلت عنه على جائزة أحسن ممثلة من عدة مهرجانات دولية، الفيلم بسيط وعميق كما الحياة، تقوم فيه إيزابيل اوبير بتجسيد دور «ناتالى شيزو»، سيدة خمسينية، تعمل بتدريس الفلسفة لطلاب المرحلة الثانوية فى إحدى مدارس باريس، وكذلك زوجها هاينز، الذى تختلف عنه فكريا، فهى أكثر مرونة، بدأت حياتها مؤمنة بالفكر الشيوعى وبعد ثلاث سنوات هجرته بعد أن تبين لها أنه وهم، وهى مدرسة متفاعلة مع طلابها، تعيش ناتالى وهاينز حياة عائلية مستقرة ومنسجمة وتبدو مثالية، لديهما ابنة كلويه وابن يوهان، كلاهما استقل بحياته بعيدا عن منزل الأسرة، أمها إيفيت سيدة مسنة تشعر بالوحدة الشديدة وهو ما يجعلها تكذب دائما بشأن حالتها الصحية لتستدر عطف ابنتها الوحيدة، التى تقرر فى النهاية ضرورة أن تودعها دار مسنين حتى تكون تحت رعاية على مدار الساعة، لكن حالة إيفيت تسوء وسرعان ما تموت بعد فترة قصيرة من انتقالها إلى الدار، فى هذه الأثناء يعترف هاينز لزوجته بأنه يعرف أخرى وسينتقل للحياة معها، وبدل أن تصرخ وتنتحب وتحاول أن تردعه أو تهدده فإنها ترد بهدوء واستكانة: وأنا التى كنت أظن أنك ما زلت تحبنى. ثم تشيح بنظرها بعيدا.

الخسارات تتراكم على ناتالى.. واحدة تلو الأخرى، ضربات موجعة ومؤلمة، موت الأم، وخذلان الشريك الذى ظنت أنه سيبقى على حبه لها إلى الأبد، المصائب لا تأتى فرادى، فهناك خسارة أخيرة تدق بابها: تتوقف دار النشر عن طبع كتبها الدراسية لأنها لا تلقى رواجا، الخسارة المادية تكمل حلقة الخسائر المعنوية.. فى النهاية تجد ناتالى نفسها وحيدة وقد خسرت الكثير. كان عليها أن تقتنع ألا شىء فى الحياة يستمر إلى الأبد.. كل شىء معرض للتغيير.. كل شىء نفترض أنه دائم وباق يمكن أن يذهب مع الريح، ويصلح لأن يكون محور جدل ونقاش كما كانت تفعل مع طلابها فى حلقات الدراسة.

استطاعت ناتالى أن تتعايش مع الخسارة، واستعادت قدرتها على إدارة حياتها بطريقة جديدة، فعلت ذلك بالوعى ونضجها الفكرى، استخدمت ما تعلمته من الكتب فى حياتها، قبلت بالخسارة واعتبرتها اختبارا لقدرتها على التعايش وتقبلها للحياة كيفما تكون، وجدت فى طفل ابنتها كلويه عوضا عن موت والدتها وبداية لدورها كجدة، دورة الحياة تتجدد.. وافقت على عرض من طلابها بالمشاركة فى موقع فلسفى على الإنترنت تستثمر فيه وقتها وعلمها. الحياة كما تأخذ تُعطى، كل يوم هناك بدائل عما خسرناه، لكننا أحيانا لا نكون مؤهلين ومستعدين لقبول قانون الحياة وسنة الكون... أولادى غادروا المنزل وزوجى تركنى وأمى توفيت لكننى وجدت حريتى الكاملة التى لم أختبرها من قبل بهذه العبارة اختصرت ناتالى حالها، وهى تتحدث إلى تلميذها المفضل والنابه فابيان، ناتالى فى فيلم المستقبل، تشبه كثيرا جولى فينيون (جولييت بينوش) فى فيلم ثلاث ألوان: أزرق للمخرج البولندى كريستوف كيسلوفسكى، الذى جسدت فيه دور امرأة مكلومة بعد مصرع زوجها الموسيقار المعروف وابنتها الوحيدة فى حادث سيارة، ثم عرفت بعد ذلك أن هذا الزوج كان على علاقة بأخرى وله منها طفل على وشك الولادة.. لم تندب حظها بل تنازلت عن كل ما ورثته من مال عن زوجها لأم طفله.. وتحررت أخيرا بالخسارة.. الحرية الحقيقية لابد أن تدفع ثمنها خسارة.

أقارن أحيانا بين حال هؤلاء النسوة وحال نساء مصريات عشن نفس المحنة، وأتخيل كيف سيكون حالهن، فالإنسان أينما كان يعيش نفس الاختبارات والمحن، لكن تختلف ردود أفعاله طبقا لثقافته وعاداته وسلوكه.

الخسارة ليست دوما هزيمة.. والمكسب ليس دوما انتصاراً.. الأمر يتوقف على نظرتك للأشياء ومعانيها.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المستقبل اخسر ماضيك تكسب مستقبلك المستقبل اخسر ماضيك تكسب مستقبلك



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon