بقلم - مي عزام
(1)
عبارتان ذكرتا في حادث مسجدى نيوزيلندا الذي راح ضحيته عشرات القتلى والمصابين من المصلين، لفتتا انتباهى، الأولى لجدة الإرهابى، الأسترالى «برينتون تارانت» (28 سنة):«إن هذا الصبى لم يتغيّر إلا منذ اللحظة التي سافر فيها إلى أوروبا»، والثانية جاءت على لسان القائم بأعمال البيت الأبيض: «الرئيس ترامب ليس ممّن يؤمنون بتفوّق العرق الأبيض»، كان هذا رداً على وصف الإرهابى لـ«ترامب» بأنه رمز لإحياء الهوية البيضاء.
(2)
هذا الحادث الإرهابى العنصرى لن يكون الأخير، فهو ثمرة فكر يمينى متطرف يشهد تصاعدا كبيرا في أوروبا التي تمثل لأمثال ترانت النموذج، ولقد استشهد في لائحته الطويلة التي نشرها على الفيسبوك، والتى يطرح فيها الأفكار التي يعتنقها ودوافع قيامه بهذا العمل الإرهابى، بفكرة «الاستبدال العظيم» وهو المصطلح الذي صكه الكاتب الفرنسى رينو كامو عن اختفاء «الشعوب الأوروبية»، و«استبدلها» بالشعوب غير الأوروبية المهاجرة، وهو ما يردده الصحفى إيريك زمّور، وهى المقولة التي تزداد شعبيتها في أوساط اليمين المتطرف في الغرب، وللأسف هناك زعماء سياسيون غربيون يروجون لهذه الرؤية العنصرية القائمة على تميز الجنس الأبيض، هنا يتحول زعيم سياسى مثل ترامب ومارى لوبان وغيرهما إلى قدوة لجماعات التطرف والإرهاب، ولا يمكن أن ننسى وصف الرئيس بوش للحرب على الإرهاب في أعقاب هجمات 11 سبتمبر بأنها حرب صليبية.
(3)
تصاعد العنصرية تجاه المهاجرين بصفة عامة والمسلمين بصفة خاصة في الغرب لها سبب رئيسى أن هذه الدول التي احتلت أوطان هؤلاء المهاجرين لعقود واستغلت خيراتها، سلمتها لحكام موالين لها، لم يكونوا أقل سوءا من المستعمر نفسه وهو ما تسبب في سوء الأحوال المعيشية لهذه الشعوب ودفعتها للهجرة لبلدان المستعمر السابق.
(4)
اليمين العنصرى يخشى أن تتسبب هذه الهجرات في تغيير ديموجرافى، وهو ما أشار إليه الفرنسيان: إريك زمور في كتابه «الانتحار الفرنسى» وميشال ويلبيك في روايته «الاستسلام». سيحدث ذلك بالتأكيد خلال عقود، لكن لماذا الخوف؟ ما سيحدث في أوروبا لن يكون مشابها لما حدث في أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا وإسرائيل، فلن يتم القضاء على العرق الأبيض لصالح المهاجرين مثلما فعل المهاجرون الأوروبيون في البلدان التي أشرت إليها، فمعظم هؤلاء المهاجرين أصبحوا جزءا من نسيج وطنهم الجديد يحملون نفس قيمه الثقافية والفكرية.
(5)
معظم البلدان الأوروبية تعانى اقتصاديا، ليس بسبب مزاحمة المهاجرين أهل البلاد كما يروج اليمين، لكن بسبب فشل سياسات الزعماء الأوروبيين وإخفاقهم في إحداث نقلة صناعية تحقق لهما نموا اقتصاديا كما حدث في اليابان والصين والهند وغيرها، فلم تعتد أوروبا المنافسة الشريفة، فلقد ظلت لعقود مسيطرة على الأسواق العالمية لأن وارداتها من المواد الأولية من مستعمراتها كانت مجانية وكانت تفرض صناعتها على المستعمرات.
(6)
الحروب الصليبية في القرن الحادى عشر كان لها أسباب سياسية واقتصادية أهم من الدافع الدينى، وكان البابا أوربان الثانى أول المدركين لذلك، الأزمة تتكرر مع بعض الاختلاف، زعماء اليمين العنصرى يحاولون إخفاء فشلهم وتراجع مكانة الغرب بصنع عدو (الإسلام) يحمّلونه كل أوزارهم، ولقد عبر «فولفجانج إيشنجر»، رئيس مؤتمر ميونخ للأمن، عن أزمة أوروبا حين قال: إننا نفتقد القيادة.
(7)
صعب أن تنتقد ذاتك لكن سهل أن تجد مشجباً يحمل عنك كل عيوبك، هذا يحدث في الغرب المسيحى والشرق المسلم، قيادة العوام عن طريق التشيع لدين أو مذهب أو عرق لعب بالنار، والجميع سيخرج خاسراً.
كتب ترانت على سلاحه: «اللاجئون، أهلا بكم في الجحيم». وردت رئيسة وزراء نيوزيلاندا: «المهاجرون أو اللاجئون الذين اختاروا نيوزيلندا وطناً، هو وطنهم وإنهم منا، أما الشخص الذي قام بهذا العنف ضدنا فليس منا». هكذا يتحدث الحكماء.. فمن يستمع؟!
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع