توقيت القاهرة المحلي 02:56:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محركو الوتد.. وجابرو الخواطر

  مصر اليوم -

محركو الوتد وجابرو الخواطر

بقلم : مي عزام


(1)

هذه الأقصوصة تروى بأشكال مختلفة، ولكن الهدف منها واحد. يحكى أن إبليس أراد الرحيل من مكان كان يسكن فيه مع أبنائه، فرأى خيمة، فقال لا أُغادرن حتى أفعلن بأصحابها الأفاعيل، فذهب إلى الخيمة، فوجد بقرة مربوطة بوتد، وامرأة تحلب هذه البقرة، حرك الوتد، فخافت البقرة وهاجت،

فانقلب الحليب على الأرض، ودهست البقرة طفل المرأة، الذي كان يجلس بجوارها، فسقط قتيلا، استشاطت الأم غضبا وألما، فطعنت البقرة بالسكين بشدة طعنا مميتا، سقطت البقرة ميتة، عاد الزوج فرأى طفله ميتا وكذلك البقرة، فضرب زوجته وطلقها، وجاء قومها فضربوه، ثم جاء قومه، فاقتتلوا وسالت الدماء غزيرة.

تعجب أبناء إبليس، وسألوه: ما الذي فعلت؟! قال: لا شىء، فقط حركت الوتد.

وهكذا يظن أغلب الناس أنهم لم يفعلوا شيئا، وهم لا يعلمون أن بضع كلمات يلقيها أحدهم في أذن أخيه يمكن أن تقلب حاله رأسا على عقب، تكسر القلوب، وتسبب خلافا وشقاقا، وتشحن الأجواء وتقطع الأرحام.

راقب كلماتك قبل أن تلفظ بها، فحين تخرج لن تعود.. واحذر من تحريك الوتد.

(2)

في حياتنا نقابل أشخاصا من نوعية محركى الوتد، الوشاية والنميمة جزء من سلوكهم اليومى، يشعلون الحرائق أينما حلوا ويبذرون البغضاء أينما كانوا، وفى المقابل نجد النقيض، أشخاصا يحل السلام أينما وجدوا، تطمئن القلوب في حضرتهم، ويخففون المصاعب والمحن بكلماتهم الحانية.

أحيانا يكـون الإنســان على حافة الانهيار، يكاد يصرخ من الألم النفسى، شعوره بالضيق يجعله يرى الحياة ليلا طويلا بلا فجر، في هذه اللحظة، يحتــاج لمن يقول له كلمة طيبة ويربت على كتفه بعطف، أكثر مـن حاجته إلى نصـح أو مساعدة مادية. كل منا مر بهذه اللحظة، التي نشعر فيها بالوحدة والضعف والهوان على الناس، نبحث حولنا عمن يشد أزرنا ويشعرنا أننا لسنا وحدنا، ونكون محظوظين إذا التقينا بجابرى الخواطر.

(3)

والجبر كلمة مأخوذة من «الجبار»، وهو اسم من أسماء الله الحسنى، وله معان غير الجبر، فهو سبحانه الذي يجبر الفقر بالغنى، والمرض بالصحة، والخيبة بالتوفيق، والعسر باليسر، والخوف بالأمن، واليأس بالأمل. الله لطيف بعباده، متصف بكثرة جبره حوائج خلقه، وسورة الضحى مثال لجبر الخواطر، أولها حديث عن جبر الله خاطر نبيه ورسوله محمد:

«مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى»،

ثم يوجهنا تعالى للفئات الأولى منا بجبر الخاطر: اليتيم والسائل والمحروم: «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ».

(4)

جبر الخواطر من العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وهو تهذيب وترقيق لمشاعره الطيبة، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أكثر الناس جبرا للخواطر، وحين عبس في وجه الأعمى الذي جاءه ساعيا للهداية عاتبه ربه في سورة «عبس».

والأقربون أولى الناس بجبر الخواطر، أتأذى كثيرا من الزوج الذي يسخر من زوجته، حين يقارن جسدها المترهل بأجسام نجمات هوليوود الممشوقة، وأقدر الابن البار الذي يشترى لوالده جوارب جديدة لأن القديمة بها ثقوب، ولكنه حين يقدمها يستحى من أبيه ويخشى أن يكسر خاطره، فيذكر أنه وجد تخفيضا كبيرا عليها فاشترى لنفسه ولأبيه. في هذا الزمان تشتد حاجتنا إلى مواساة بعضنا البعض لأن أصحاب القلوب المنكسرة كُثر.

جبر الخواطر لا يحتاج إلى كثير من الجهد أو المال، لكن يحتاج إلى عطف وتسامح وتدريب على الكلمة الطيبة والشعور بآلام الآخرين، لا تبخلوا على غيركم بجبر الخاطر، ما ستقدمه اليوم من خير سيعود لك غدا مضاعفا، فالحسنة عند الله بسبعة أمثالها.

كل سنة والمصريون بخير بمناسبة قرب حلول عيد الفطر المبارك، وأدعو الله أن يجعلنى وإياكم من جابرى الخواطر لا محركى الأوتاد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محركو الوتد وجابرو الخواطر محركو الوتد وجابرو الخواطر



GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 08:18 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 08:15 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon