بقلم : مي عزام
(1)
يمر هذا العام 30 سنة على سقوط جدار برلين، الذى يمثل بداية انهيار الاتحاد السوفيتى، هناك من يؤمن بالدورة الثلاثينية، بمعنى أن العالم يدخل دورة جديدة كل ثلاثة عقود تقريبا، تتشابه فيها الأمور لكن النتائج تكون مختلفة. وفى هذه الدورة يلعب «ترامب» دور «جورباتشوف»، وكما يظل اتهام الغرب بأنه وراء دفع الاتحاد السوفيتى إلى الهاوية قائما، سيظل اتهام روسيا بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب وتداعيات ذلك مستمرة.
(2)
هذا العام يعد ذروة الارتباك الأمريكى، فهو العام السابق للانتخابات الأمريكية، والذى تراكمت فيه الشحوم التى ضخها ترامب بحماقة فى شرايين النظام العالمى الذى أسسته بلاده، ويوشك النظام على الإصابة بجلطة دماغية. فى الماضى القريب كان العالم يتحمل النزق الأمريكى مادام الدم يتدفق فى شرايين العالم، أما حين يتحول الأمر لمسألة وجود وسيادة وخسارة مستمرة، يفيض الكيل.
(3)
يصدر قريبا فى أمريكا كتاب بعنوان: «لماذا تخسر أمريكا الحروب؟ الحرب المحدودة والاستراتيجية الأمريكية من الحرب الكورية إلى الوقت الحاضر» للخبير العسكرى الأمريكى «دونالد ستوكر»، الكتاب يناقش جدوى الحروب الأمريكية من كوريا إلى فيتنام إلى أفغانستان والعراق، لم يعلن الكونجرس الحرب منذ عام 1942، لكن سمح للرؤساء بإدخال الأمة فى «حروب محدودة» دون تدخل يُذكر من المشرعين، كانت أهداف هذه الحروب ضبابية بشكل عام، وكان تحديد النصر أكثر مراوغة.
بالنسبة لستوكر، وفق ما جاء فى حديث صحفى معه، فإن الغموض الذى تميزت به حروب أمريكا فى الآونة الأخيرة هو نتيجة طبيعية لعدم وجود أهداف واضحة من أولئك الذين يشنونها. حيث يتم التغاضى عن الأسئلة الأساسية مثل: «ماذا نريد حقًا؟»، و«كيف نحافظ على السلام بمجرد أن نحصل عليه؟»، ويتساءل الكاتب: إذا كنت لا تفهم هدفك السياسى، ولا تفهم معنى الفوز، فما هو النصر الذى من المفترض أن يبدو عليه؟!
(4)
لم تتوقف أمريكا عن الدخول فى حروب محدودة لم تحصد منها سوى الخزى وبعض المنافع لجماعات الضغط الأمريكية، التى تتبرع بسخاء للحملات الانتخابية مما يسمح لها بتوجيه السياسة الأمريكية عن بعد، وهى الآن على وشك الدخول فى مواجهة مع إيران، فى وقت خسرت فيه عددا من حلفائها التقليديين فى أوروبا وخارجها، حتى علاقة الحبل السُّرى التى تربطها ببريطانيا توشك على الانقطاع. إفراط أمريكا فى التلويح باستخدام القوة العسكرية وفرض عقوبات اقتصادية على الدول المارقة من وجهة نظرها يقلل من تأثير هذه الأدوات، ويجمع الفرقاء ضدها كما يحدث الآن مع إيران وتركيا.
(5)
الولايات المتحدة الأمريكية لن تنهار كما حدث مع روسيا عقب سقوط الاتحاد السوفيتى فمازالت صاحبة أقوى اقتصاد وقوة عسكرية، لكن ستفقد الكثير من نفوذها وسيتراجع دور الدولار فى المعاملات التجارية، وهو ما حدث بين الصين وروسيا وإيران وتركيا، فالمبادلات بينها بالعملات المحلية، لن يصبح للعملة الخضراء نفس القوة وستفقد جزءا من قيمتها نتيجة انخفاض الطلب عليها فى المعاملات التجارية الدولية، وسينعكس ذلك على تأثير المنظمات المالية الدولية (الموجهة أمريكيًا: البنك الدولى والصندوق) على اقتصاديات الدول المقترضة. ستظل أمريكا دولة عظمى لكنها أبدًا لن تكون القطب الأوحد والمهيمن على العالم، وستقبل المشاركة وتقاسم مناطق النفوذ.
(6)
توجُّه «السادات» نحو أمريكا والغرب نأى بمصر عن التأثر بتداعيات سقوط الاتحاد السوفيتى، القيادة المصرية الحالية تسعى للتوازن فى السياسة الخارجية، ونجحت حتى الآن فى تحقيق ذلك بقدر المستطاع، لكن مازالت سياستنا الاقتصادية مرتبطة بالغرب، وخطواتنا محسوبة علينا ومقيدة بتوجيهات المؤسسات المالية الدولية الدائنة.
المتغيرات الدولية المتسارعة يمكن أن تكون فرصة سانحة لوضع استراتيجية لإحياء الأمة المصرية، لا تجد إعاقة فى ظل هذه الصراعات المحتدمة، متخذين من استراتيجية «إحياء الأمة الصينية» نموذجا، والتى ستنتهى بحلول عام 2049، الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، والهدف منها استعادة مكانة الصين على قمة العالم.
مصر أيضا تستطيع لو أرادت.