بقلم : مي عزام
(1)
هل انتهى العرب؟ والموجودون منهم الآن ليسوا أكثر من الخائفين فى قصور الحكم وقوافل من المهاجرين بعيدا، والمنكفئين على أنفسهم فى الداخل، وبقايا من المدجنين داخل حدود مخترقة سيتم تغييرها خلال سنوات؟
السؤال صار مخيفا جدا مع تدهور النظام العربى فى مراكز السلطة، وتدهور المجتمعات أيضاً، وإذا تابعنا الأحداث التى تجرى على أرضنا وحولنا سندرك مدى الخطورة التى وصل إليها حال العرب، حيث تلعب قوى إقليمية غير عربية براحتها تماما فى البيت العربى، يفتشون خزاناتنا وغرف نومنا بحثا عن دور ونفوذ أكبر وثروات نكتنزها، ولا نستفيد منها.
إسرائيل لا تلعب وحدها فى الساحة، فهناك إيران وهناك تركيا، والثلاثة دول غير عربية لا يمكن إغفال نفوذها فى تقرير مصير العرب ودولهم وحياتهم.
نحن نعرف أن الدور الإقليمى يقترن بمقدار نفوذ أى دولة فى الدوائر المحيطة وتأثيرها على دول الجوار، ولهذا فإن تمدد النفوذ الإيرانى فى المنطقة يقلق إسرائيل ويتعارض مع مشروع دولتها الكبيرة، لذلك تهتم بتقليص نفوذ إيران وتحجيم الطموح التركى، وهو ما جعل نتياهو يقصف قواعد عسكرية فى العراق تخص الحشد الشعبى الموالى لإيران، وشن غارات جديدة على أهداف فى سوريا، أدت إلى سقوط قتلى من حزب الله اللبنانى، ثم إرسال طائرتين مسيرتين سقطتا فى الضاحية الجنوبية لبيروت وأصابت إحداهما المركز الإعلامى لحزب الله. رسائل إسرائيل لإيران تمر عبر ثلاث دول عربية، وفحواها: لا حصانة لإيران فى أى مكان تقيم فيه قواعدها الموجهة ضد إسرائيل.
(2)
فى الشمال العربى، أعلن أردوغان مؤخرا أن القوات البرية التركية ستدخل مناطق شرق الفرات فى سوريا، ضمن خطته لتأسيس منطقة آمنة على الحدود مع سوريا بمشاركة أمريكية، لكن أردوغان لا يكتفى بدوره فى سوريا، حيث يتدخل فى ليبيا، ويبحث عن دور فى السودان ويزاحم الفرنسيين فى تشاد، وينافس على الغاز فى شرق البحر المتوسط، لكنه يأتى فى مرتبة لاحقة لإيران بالنسبة لإسرائيل، فإيران هى الأكثر خطرا وتعارضا مع المشروع الصهيونى، بسبب نفوذها فى سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتقديم نفسها للعالم كدولة قوية صاحبة مشروع وقرار مستقل، ولا يخيفها فى ذلك مقاطعة ولا عداء صريح مع أمريكا، فهى تتحدى العقوبات المفروضة عليها من عقود من قبل أقوى دولة فى العالم، وتسعى للتأكيد على أنها ند للقوى العظمى، الوساطة الفرنسية التى يقوم بها ماكرون بين أمريكا وإيران تؤكد هذا المفهوم غير الواقعى، ولكنه فى حد ذاته انتصار للدبلوماسية الإيرانية.
(3)
لا أحد يستطيع- مهما كانت قوته- أن يفرض قيوداً على أدوار وطموحات الدول المستقلة، حتى لو كانت الطموحات تتعدى حدود الجغرافيا إلى التأثير بالأيديولوجيا أو المذهبية أو أحلاف المصالح، وهو ما نجحت فيه طهران فى دعم تحالفاتها الإقليمية، وهذه النقطة تعلمنا أن هزائم الدول لا تأتى من التحديات التاريخية، بل تبدأ دائما من الداخل حين تتشكك الدول فى قدراتها، ويغيب عنها قدرها وأهدافها، وتقبل بالتبعية والحماية الكاذبة من أعداء الخارج، وهذه الملاحظة تدعونا للتفكير بجدية فيما يجرى حولنا، وتدفعنا للتساؤل عن دور العرب ومكانتهم فى الشرق الأوسط: هل سيتم تجاهلنا كما حدث من قبل فى اتفاقية سايكس بيكو قبل قرن من الزمان؟.. ألم يحن الوقت لنواجه أنفسنا كدول عربية بالحقيقة؟.. هل يمكن أن نستدرك الأمر ونبحث عن الأسباب التى جعلتنا دول الإمكانيات المهدرة والفرص الضائعة، دول الجعجعة دون طحين، الطاردة لشبابها وخيرة عقولها، المتمسكة بهياكل حكم هشة لا تتفق مع معايير العصر وإمكانيات التغيير والتطور، المبتهجة بزيادة عدد المنتجعات الترفيهية على حساب الصناعات الثقيلة والأساسية التى لا يتحقق استقلال وسيادة دونهما.. أم نكتفى فى هذا العالم المتغير بدور المسكين المحتاج، لدعم مادى أو سياسى أو حماية عسكرية؟
أيها العرب احذروا القادم.. لا بد من الحضور الفاعل فى العالم حتى لا يقرر مصيرنا أحد غيرنا.