بقلم : مي عزام
أتابع مسلسلًا ألمانيًا فلسفيًا على نتفليكس بعنوان «ظلام» أحداثه تدور حول تقاطع الأزمنة والسفر خلال الزمن، ورصد نوازع الشر الإنسانى التى يخفيها أبطاله كأسرار، وكيف تتشابك الأزمنة ويؤثر ويتأثر الماضى بالحاضر والمستقبل. الأبطال لا يشعرون بالندم على ما اقترفوه من آثام ويكررونها كلما سنحت لهم الفرصة، فيظلون عالقين فى ماضيهم ومخاوفهم مما يعوق أى تقدم أو تغيير إيجابى فى المدينة التى تدور فيها الأحداث، ويجعل مجتمعها راكدا متعفنا من الداخل، الكل يكره بعضه فى الخفاء ويفتعل اللطف والمودة فى العلن.
(2)
لكل منا أسراره التى يحرص على إخفائها، ربما تكون أفعالا نخجل أن يطلع الآخرون عليها أو أشياء نخاف من عواقب كشفها، مفهوم« الستر» مفضل حين يكون الأمر متعلقا بالتوبة عن الأخطاء أو التقية، لكن حين يكون هناك إصرار على تكرارا الأخطاء وتجذير الخوف المدمر فى النفوس، يصبح الكشف عن المسكوت عنه ضرورة لتصحيح المسار، هذا ما يفصح عنه المسلسل وقررت تطبيقه على الواقع.
(3)
فى أكتوبر الماضى، اختارت ابنتى «سوسن» إسبانيا مقصدا سياحيا، فى مطار القاهرة طلب منها ضابط الجوازات بعد فحصه جواز سفرها الانتظار، تم اصطحابها إلى مكتب الأمن، وهناك سألها الضابط المختص: هل هى ابنة فلانة؟ وذكر اسمى الرباعى فأجابت: نعم، فطلب منها الانتظار. بعد فترة قصيرة اعتذر لها بأن هناك خطأ فى الأسماء! وسمح لها بالسفر، إلا أنه عند عودتها تكرر الأمر، سألت عن السبب ولم تجد تفسيرا أو شرحا.
(4)
رغم قلق «سوسن» واضطرابها، هونت الأمر عليها بأنه ربما كان خطأ غير مقصود، لم أعط الأمر أكثر من حجمه وخاصة أنها شخصية قوية، مستقلة وعاملة، وسنها تسمح لها بالتعامل مع المواقف غير المتوقعة برشد وحكمة. يوم السبت 2 يوليو الماضى، كان موعد سفرنا، ابنتى «سلمى» هذه المرة (18سنة) وأنا إلى التشيك، تقدمتنى «سلمى» فى طابور الجوازات وما إن مرر الضابط جواز سفرها على الجهاز أمامه حتى طالبها بالانتظار وحين جاء دورى توقعت معاملة مماثلة، وبالفعل تم اصطحابنا إلى مكتب الأمن بالمطار ثم طُلب منا الصعود لدور علوى فيه ضباط آخرون بملابس مدنية، وفى كل مكتب كان سؤالى: ماذا يحدث ولماذا؟ ولا إجابة.
(5)
تم التعامل معنا بأدب ولباقة، لو كان الأمر مقتصرا على شخصى ما كتبت عنه، فلقد سبق أن تعرضت لاتهامات كاذبة وبذاءات من مواقع إخبارية تابعة للدولة ومن كتاب بأعينهم وصبرت واعتبرتها ضريبة يتحملها بغير مبرر مشروع صاحب الرأى الحر إن اختلف، وما يحدث فى مصر يحدث فى غيرها من الدول، فهناك دوما متعصبون من الطرفين المؤيد والمختلف، لكن ما ذنب «سوسن» و«سلمى» والأخيرة ما زالت زهرة بريئة تقف على أعتاب الجامعة؟ ولماذا يتم كسر إحساسها بالأمان فى بلدها؟ ألم يلتفت أحد من هؤلاء السادة إلى أى أحد يمكن أن يؤثر ذلك على نظرتها إلى المستقبل؟ ليس بوسعى أن أصف بالكلمات نظرة الوحشة والجزع التى تكررت رؤيتى لها فى عيون سلمى حين قرر الضابط استعادة حقائبنا التى تم تسليمها لشركة الطيران ليفتشها، حينها همست بحزن: «هل سيضيع موعد الطائرة؟» طمأنتها بابتسامة باهتة لم تنجح فى إزالة الفزع عنها. عدلوا الأوامر وسمحوا لنا باستكمال السفر دون تفتيش حقائبنا. عند عودتنا من السفرة تكرر الموقف، وزاد عليه تفتيش حقائبى فى الجمارك بالأمر المباشر، بشكل صادم، وصل إلى تفريغ محتوياتها بالكامل والتفتيش داخل بطانتها الداخلية.
(6)
يفتخر المصريون جميعا بأن بلدهم ذكر فى القرآن مقرونًا بالأمان «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» فهل ما حدث معى وابنتىّ يندرج تحت المفهوم الذى تسعى إليه الأجهزة المنوط بها الحفاظ على أمن البلاد وأمانها واستقرارها، إن كانت هناك أجهزة أمنية تعتبر«مى عزام» وزرًا بسبب آرائها المختلفة، فإن الله تعالى قال: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ». سؤال أخير أطرحه على المسؤولين: ماذا جنت ابنتاى «سوسن» و«سلمى»؟.