توقيت القاهرة المحلي 09:04:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المشهد العربى.. ومعاهدة وستفاليا

  مصر اليوم -

المشهد العربى ومعاهدة وستفاليا

بقلم : مي عزام

(1)

هل توجد أُمة غيرنا تعشق السير في دوائر مغلقة لا تغادرها؟، لا تتعلم من تجارب الآخرين وتصر على الخضوع لحروب لا أمل فيها ولا طائل منها والجميع فيها خاسر.. هل نحن أُمة تعيش زمنها أم تصر على أن تظل خارج التاريخ؟، لا تبحث عن طريق السلامة، لكن تختار طريق الندامة لغياب الوعى والتكالب على السلطة.. لماذا لا نقتنع بأن ملك المتسولين يظل متسولا في نظر الآخرين كما في الخفاء في نظر نفسه؟.

(2)

ما تعيشه أُمتنا في القرن الـ21 عاشته أوروبا قبلنا بأربعة قرون، الصراع والحروب المذهبية بين الكاثوليك والبروتستانت استمرت 30 عاما، تفاقم النزاع الدينى الذي بدأ في بوهيميا ليتحوَل إلى صراع بين الأوروبيين حول السيطرة المنفردة. خربت أوروبا بسبب الحروب وخسرت ثلث المتحاربين، ومع الوقت أدرك الجميع أنه لا منتصرا في هذه الحرب ونهايتها ستكون الإبادة المتبادلة.‏ اتّفق فرديناند الثالث الذي حكم الإمبراطورية الرومانية ولويس الثالث عشر ملك فرنسا وكريستينا ملكة السويد على وجوب عقد مؤتمر يجتمع فيه كل الأطراف للتفاوض حول شروط السلام في مقاطعة وستفاليا الألمانية. وبعد خمس سنوات من المباحثات كانت خلالها الحرب محتدمة،‏ توصل الفرقاء إلى اتفاق حول شروط السلام. معاهدة وستفاليا كانت نقطة تحول أنهت توقيعها سنة ١٦٤٨ حرب الثلاثين عاما، وأقرت شروط التعايش بين سيادات متعددة يحترم كل منها الآخر، فكانت مولد فكرة تعدد السيادات، ومن ثم الدول بصورتها الحديثة.‏

(3)

منطقتنا العربية تعانى من صراعات أثرت على مكانتها ورؤية العالم لها، سخر ترامب في عدة لقاءات من العراق واعتبره بلدا بلا سيادة، فهو مرتعا للفساد والنهب، وعليه فأرضه وسماؤه مستباحتان أمام القوات الأمريكية، ومن حق المنتصر (أمريكا) أن يحصل على بترول العراق كغنيمة حرب!.

تصريحات ترامب الفجة التي لا ينقصها الوقاحة في حق بلد عربى عريق شريك في صنع الحضارة المعاصرة، اكتوى بنيران الغزو الأمريكى، لم تكن لتمر مرور الكرام لوكان العراق والدول العربية المجاورة قوية ومتماسكة وتستطيع أن تدافع عن سيادتها دون عون خارجى.

هنرى كيسنجر عبر عن نفس المفهوم، لكن بحرفية الدبلوماسية، في كتابه «النظام العالمى.. تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ» الصادر عام 2014، تحدث عن منطقة الشرق الأوسط، واصفا حالها بقوله: «جزء كبير من مساحة العالم وكتلته السكانية بات على حافة الانزلاق إلى خارج النظام الدولى القائم على أساس كيانات الدولة، بكل ما في تلك العبارة من معنى، مع بقاء هذا الفراغ باسطا جناحه، يبقى الشرق الأوسط في قبضة مجابهة شبيهة بحروب أوروبا الدينية المنتمية إلى ما قبل وستفاليا، ولكنها أوسع، ثمة صراعات داخلية ودولية تتبادل التعزيز، يجرى تحويل الدين إلى سلاح في خدمة أغراض جيوسياسية، وحيثما تكون الدولة قادرة على الاحتفاظ بمرجعيتها، ترى هذه المرجعيات مبررة بضرورات البقاء، أما حيث تتفكك الدول، فإنها لا تلبث أن تصبح ميادين نزاع لقوى محيطة كثيرا ما يتم الإمساك بزمام السلطة فيها عبر إغفال كلى لرخاء الإنسان وكرامته».

(4)

يتغافل «كيسنجر» دور بلاده في فرض الفوضى وصناعتها في الشرق الأوسط، لكننا نتحمل العبء الأكبر من اللوم نتاج أفعالنا، بسبب رفض زعماء عرب تطوير أنظمة الحكم في بلادهم لتحقيق حياة كريمة للشعوب المتململة، تَكالُبَهم على السلطة جعلهم يوجهون السلاح لصدور شعوبهم بدلا من أعدائهم، سوء إدارة الحكم خفض المشتركات الوطنية لحساب المذهبية المنحرفة الجاهلة التي أدت لتفكيك الدول وسمحت بالتدخلات الخارجية.

(5)

العقلاء من الحكام العرب لديهم فرصة ذهبية لرفع راية السلام، فالشعوب العربية سأمت القتال والخراب وطوابير اللاجئين وجثث الضحايا. على الجامعة العربية أن تقوم بالدور الذي أُنشأت من أجله، وهو وحدة الصف العربى، وعلى مصر، بحكم مكانتها، أن تكون قدوة، وأن تمد يدها بالسلام دون قيد أو شرط لسائر الدول العربية، تأخرنا كثيرا، لكن أن تأتى متأخرا خيرا من ألا تأتى أبدا.

اجعلوا 2020 عام السلام العربى واستعادة الدول العربية سيادتها وكرامتها، فأنا لا أرغب في تسميتها وستفاليا العربية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المشهد العربى ومعاهدة وستفاليا المشهد العربى ومعاهدة وستفاليا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon