بقلم : مي عزام
(1)
هناك قصة تروى حول العلاقة بين الدول الغنية والفقيرة، تقول إن الدول الغنية تمنح بسخاء جزء من ثرواتها للدول الأكثر فقرا، لمساعدتها فى القضاء على الفقر ودفعها إلى رفع معدلات التنمية، لكن للقصة وجه آخر.
مؤسسة النزاهة المالية العالمية ومقرها العاصمة الأمريكية واشنطن، (مؤسسة بحثية واستشارية)، نشرت من فترة تقريرا حول التدفقات المالية السنوية بين الدول الغنية والفقيرة، واكتشفوا أن تدفق الأموال من البلدان الغنية إلى البلدان الفقيرة ضئيل، مقارنة بالتدفق الذى يسير فى الاتجاه المعاكس، فالحقيقة أن البلدان الغنية لا تعمل على تطوير الدول الفقيرة، لكن الدول الفقيرة هى التى تدفع فاتورة تطوير الدول الغنية. كيف؟
(2)
التدفقات الكبيرة الخارجة من البلدان النامية يتكون بعضها من مدفوعات الديون، وهى تحويل نقدى مباشر إلى بنوك كبيرة فى نيويورك ولندن وغيرها، وكذلك عوائد استثمار الأجانب فى البلدان النامية والتى تعود إلى الوطن، ولكن الجزء الأكبر من التدفقات الخارجية من البلدان النامية يتعلق برحلة غير مسجلة، وعادة ما تكون غير مشروعة، تجنبا لدفع الضرائب عن طريق تحويل الأموال خارج البلدان النامية إلى الملاذات الضريبية، حيث يكون معدل الضريبة صفرا، ولا يمكن تتبع الأموال المهربة من جانب الشركات متعددة الجنسيات.
مقابل كل دولار واحد من المساعدات التى تحصل عليها البلدان النامية، فإنها تفقد 24 دولارا نتيجة التدفق الخارجى، طبقا لتقرير مؤسسة النزاهة المالية العالمية، هذه التدفقات الكبيرة تسببت فى انخفاض معدلات النمو الاقتصادى فى البلدان النامية، وهى المسؤولة مباشرة عن انخفاض مستويات المعيشة فيها.
(3)
هذا التقرير يوضح لماذا تسوء أحوال الدول النامية رغم تلقيها مساعداتٍ أو قروضا من الدول الغنية والمؤسسات المالية الدولية، وهناك خبراء يجدون أن المعونات المقدمة للدول الإفريقية الفقيرة تسهم فى زيادة أحوالها سوءًا، من هؤلاء دامبيسا مويو (كاتبة أمريكية ولدت وترعرعت فى زامبيا، وهى خبيرة اقتصادية دولية ومؤلفة كتاب «المعونة المميتة») وهى تقول إن معظم المساعدات المقدمة إلى البلدان الإفريقية ضارة إلى حد ما.
تسرد مويو المشاكل التى تعززها المساعدات لتشمل الفساد والصراعات الأهلية وتقلص الطبقة الوسطى وغرس ثقافة التبعية، ما يجعل إفريقيا غير جذابة للمستثمرين العالميين.
(4)
مما سبق يتضح أن المساعدات والقروض ليست طوق النجاة كما يتصور الكثيرون. نمو اقتصاديات الدول لا يحدث بالمساعدات والقروض التى تصب فى النهاية فى مصلحة المانح والمقرض، ولكن ما تحتاجه الدول النامية هو صيغ جديدة فى المشاركة، عجز النظام العالمى الحالى عن تقديمها، وهو ما تحاول مجموعة بريكس التى تضم: البرازيل والهند وروسيا والصين وجنوب إفريقيا أن تقدم نفسها بأنها تحقق ذلك بتطبيقها مبدأ «الكل رابح».
(5)
أقيمت القمة العاشرة لبريكس فى جوهانسبيرج بجنوب إفريقيا مؤخرا، المراقبون تحدثوا عن أهمية هذه القمة، بسبب المخاوف من حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تتوسع، والمحادثات التى تمت بين الزعيمين بوتين وترامب فى قمة هلسنكى بشأن سوريا والعقوبات الغربية على روسيا بسبب ضمها للقرم وملفات أخرى تهم البلدين والعالم.
(6)
مجموعة بريكس تبدو أكثر اهتمامًا بضم مزيد من الدول ذات الاقتصادات الواعدة إليها، حتى تكسر احتكار أمريكا وهيمنتها على النظام العالمى، جاء إعلان جوهانسبيرج متوافقا مع موقف دول المجموعة السياسى والاقتصادى فى عدد من الملفات، أكدوا أن وضع القدس يحدد فى إطار المفاوضات بين إسرائيل وفلسطين، وأن إجراءات التسوية فى سوريا يجب أن تتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة، وعدم جواز استخدام القوة والتدخل الخارجى فى الشرق الأوسط، ودعوا الجميع إلى الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية والتخلى عن السياسات الأحادية الجانب والحمائية الاقتصادية فى التجارة العالمية.. الإعلان رسالة «بريكس» للولايات المتحدة الأمريكية.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع