بقلم : مي عزام
(1)
من يترك موقعه طواعية عليه أن يتوقع أنه سيأتى من يملأ فراغه سريعا، خاصة إن كان الموقع متعلقا بالنفوذ والهيمنة. الشرق الأوسط فيما يبدو يسير وفق قواعد الكراسى الموسيقية، هذه اللعبة تبدو على بساطة قواعدها قادرة على تفسير المواقف السياسية المعقدة والمتناقضة والصراعات العسكرية المتشابكة. المنافسة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين تزداد شراسة كلما انخفض عدد المقاعد المتاحة نتيجة خروج منافسين من المشهد، اللعبة لا تتوقف والمنافسة مستمرة والتدافع يزداد حدة والعنف يُبرر تحت شعارات الضرورة، الدم العربى يُراق، وخرائب أوطاننا تزداد اتساعا، واللعبة أبدا لا تتوقف، الجميع مدفوعا بالأمل فى المكاسب تسحقه ماكينة تكسير العظام.
(2)
فى مارس 2016، وقبل شهور قليلة من انتهاء ولايته الثانية، أجرى باراك أوباما حديثا صحفيا مع مجلة «أتلانتيك» الأمريكية تحدث فيه عن ضرورة تقاسم النفوذ بين السعودية وإيران، والتوصل إلى سبيل لتحقيق نوع من السلام البارد بينهما.
أوباما فى ولايته الثانية قرر أن يعطى ظهره للشرق الأوسط ومشاكله الكثيرة العصية على الحل، وحسب قوله فالمنطقه لا تصدر النفط وحده لكن أيضا الإرهاب. هذا الحديث الصحفى كان له صدى واسع، وشعر الحلفاء الاستراتيجيون لأمريكا فى الخليج حينها بخيبة الأمل. أوباما ألقى مسؤولية الفوضى فى الشرق الأوسط على الآخرين، لم يبذل الجهد الكافى لحل المشاكل المتراكمة بفعل سياسات أمريكية خاطئة، وأصبح هدفه الخروج بأى ثمن من منطقة لا فوز فيها.
الفراغ الأمريكى ملأته روسيا سريعا بالانخراط المؤثر فى الساحة السورية، وهو ما شجعها على المشاركة مؤخرا فى ليبيا، روسيا عادت إلى الشرق الأوسط وأثبتت أنها لاعب دولى لا يُستهان به، تراجع الدور المصرى استغلته قوى إقليمية عربية وغير عربية فى توسيع دائرة نفوذها. لكن فى النهاية كانت النتيجة خسارة العرب المباراة على ملعبهم، وفاز آخرون كانوا أكثر يقظة للمتغيرات على الساحة الإقليمية والدولية، وقدرة على الفعل والحسم.
(3)
هذا الأسبوع كانت هناك ثلاثة أحداث مهمة فى مدلولها وتداعياتها، أولها المناورات الثلاثية بين الصين وروسيا وإيران فى شمال المحيط الهندى وبحر عمان، والتى علق عليها مسؤول فى وزارة الخارجية الأمريكية بأنه يجب على روسيا والصين ألا تجرى مناورات بحرية مع إيران، بل تفرض عقوبات على قياداتها، هذه المناورات رسالة مهمة فى توقيتها، وهى موجهة لأمريكا فى المقام الأول، وتشكك فى دورها التقليدى فى التحكم وحماية الملاحة فى الخليج. الحدث الثانى الضربات الجوية الأمريكية التى استهدفت مقار الحشد الشعبى فى العراق. وزارة الخارجية العراقية أدانت الغارات واعتبرتها انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق، لكن أمريكا بررت ضرباتها بأنها رد على هجمات الحشد الشعبى على قوات أمريكية فى العراق، كما لوح وزير الدفاع الأمريكى بإجراءات إضافية لـ«ردع إيران». الحدث الثالث حصار مئات من المحتجين على هذه الغارات السفارة الأمريكية فى بغداد، وما تبع ذلك من أعمال شغب، وتحميل ترامب إيران مسؤولية الهجوم على السفارة. الصراع الأمريكى- الإيرانى يتفادى المواجهة المباشرة، ويختار الطرفان دولًا عربيًا لتكون ساحة المعركة بينهما.
(4)
أوطاننا العربية أصبحت ساحة للحروب والصراعات التى تديرها قوى إقليمية ودولية دون إذن منا، الكل حريص على مكانته فى الشرق الأوسط الثرى بخيراته وموقعه المتميز، لأن هذه المكانة ستترتب عليها ترتيبات النظام العالمى الجديد والتوزيعات الجديدة لمناطق النفوذ.
وأين العرب من كل هذا؟
العرب لم يحلوا بعد مشاكلهم الداخلية مع شعوبهم، ولم ينهوا الخلافات فيما بينهم ليبدأوا تعاونا حقيقيا قائما على المصالح المشتركة واحترام السيادة الوطنية، وأصبح أقصى طموحاتهم إصدار بيان شجب من الجامعة العربية تدين التدخلات الخارجية فى الشأن العربى، وهم يعرفون جيدا أن بيت العرب لا يملك أى أداة ضغط أو تأثير على الساحة الدولية.
رغم كل هذه المؤشرات السلبية عندى أمل أن يكون 2020 عام اليقظة المصرية والعربية.. وكل عام وأنتم بخير بمناسبة العام الميلادى الجديد.