بقلم : مي عزام
(1)
ينفى البعض عن الصين تعريف الدولة العظمى.. يمكنها أن تصبح الاقتصاد رقم واحد في العالم، لكن لا يمكنها أن تحتل مكانة أمريكا كدولة عظمى، لأن الأخيرة مازالت نموذجًا يحتذى به ويتطلع الآخرون لتقليده لما يتمتع به من قيم واحترام حقوق الفرد وحرياته، وهو ما تفتقده الصين التي تُحكم بنظام لا يطبق المعايير العالمية لحقوق الإنسان.
ومن وجهة نظر هؤلاء، القوة العسكرية والاقتصادية لا تُغنى عن القوة الناعمة المتمثلة في التأثير على الآخرين دون إكراه، لكن عبر الجاذبية والاحتواء والتقليد وهو ما لا تملكه الصين. عام 2007، تحدث الأمين العام للحزب الشيوعى الصينى حينذاك «هو جينتاو» عن حاجة بلاده إلى زيادة قوتها الناعمة، وقد شهد عهده ارتفاعًا في النفوذ العالمى للصين في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والبلدان النامية الأخرى.
وفى عام 2011، ركز اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى على التنمية الثقافية، وهناك رغبة ملحة لدى القادة الصينيين في تأسيس منصات عالمية ووسائل نشر خاصة ببلادهم، لأنها دون صوت قوى وقوة ناعمة، حتى الآن لم تنجح الشركات الثقافية الصينية في إنتاج ماركات ذات شهرة عالمية. الصين لا تتسرع في الصعود نحو القمة، لكنها لن تتأخر، خططها طويلة المدى، ولكن تقدمها نحو أهدافها يسير بتؤدة ونجاح.
(2)
هوليوود من أهم أدوات القوة الناعمة الأمريكية، أفلامها تلقى رواجًا في جميع الأنحاء، وتأثيرها يفوق أي سلاح عسكرى أمريكى، التعاون الوثيق بين الـ«سى آى ايه» ومنتجى هوليوود معروف، ظهر جليا في فيلم «أرجو» إنتاج عام 2012 الحائز على 3 جوائز أوسكار.
الصين بالنسبة لهوليوود سوق ضخمة واعدة، لذا سعت شركة والت ديزنى لإنتاج أفلام مستوحاة من الثقافة المحلية هناك، واختارت شخصية «مولان» التي تعود قصتها إلى قصيدة صينية قديمة تحكى عن فتاة تدخل الجيش الصينى متنكرة في زى الرجال بدلا من والدها المريض، في عهد أسرة «وى» الشمالية، وتدور الأحداث في القرن الخامس الميلادى، تحقق «مولان» انتصارات متوالية للجيش الامبراطورى على القبائل المعتدية على أرض الإمبراطورية الصينية، وتُظهر شجاعة فائقة وذكاءً عسكريًا نادرًا.
(3)
قدمت والت ديزنى 3 أفلام تحمل اسم «مولان»، اثنين رسومًا متحركة إنتاج 1998، و2004، والثالث إنتاج هذا العام، تمثيل حى من بطولة الممثلة الصينية الشهيرة الصينية «ليو ييفي»، كما قدمت السينما الصينية أيضا فيلمين عن مولان:
Mulan: Rise of a Warrior (2009)
Matchless Mulan(2020)
ولقد شاهدت الأفلام الخمسة، ووجدت اختلافا جوهريا بين إنتاج ديزنى والإنتاج الصينى.. الأخير أكثر رهافة وبساطة وإنسانية وقربًا من الثقافة الصينية، مولان الأمريكية مختلفة تمامًا عن الصينية، الأولى امرأة قوية جامحة على طريقة أبطال مارفل الخارقين، دافعها الوحيد حماية أبيها المريض، لكن النسخة الصينية تظهر «مولان» القوية التي تساند الضعفاء منذ البداية، شخصية بسيطة بعيدة عن الزهو والجموح، تبدأ رحلتها إنقاذًا لوالدها وتختمها بإنقاذ أمة، الشخصية تزداد نضوجا مع الزمن متأثرة بمآسى الحروب ومشاهد القتل الدموية وفراق زملاء السلاح. ورغم اختلاف السرد بين الفيلمين الصينيين لكنهما أفضل بكثير من «مولان» الأمريكى فنيًا.
(4)
السينما أخرجت «مولان» من كتب التاريخ وعالم الأساطير، وحولتها إلى أيقونة عالمية يعرفها الصغار والكبار، تشهد أن الشجاعة والبطولة وخدمة الوطن ليست مقصورة على الرجال. في العقدين الأخيرين، اهتمت الصين اهتماما كبيرا بصناعة السينما، وبدأت في إنتاج أفلام تعيد تقديم تاريخ الصين وفق روايتها الرسمية وليس رواية الغرب، وبدأت أولى خطواتها نحو امتلاك القوة الناعمة.
والسؤال: متى تنتبه مصر لما لديها من كنوز قوة ناعمة تتمثل في حضارتها الممتدة لآلاف السنين، على سبيل المثال أسطورة إيزيس وأزوريس؟، إيزيس المصرية تستحق أن تكون أيقونة عالمية للمرأة التي أنقذت العالم من الشرور.. وعلينا ألا نركن لصورتنا في مرآة الآخرين التي تقدَّم غالبا مشوهة وغير معبرة عن ثقافتنا وحضارتنا شكلًا وموضوعًا، كما حدث في فيلم «آلهة مصر» إنتاج أمريكى عام 2016، وكان بميزانية ضخمة 140 مليون دولار، ظهر فيه آلهة قدماء المصريين شُقر وبعيون زرقاء!. لم يكلف القائمون عليه أنفسهم جهدا لمعرفة حقيقة التراث المصرى القديم وحكمته، لكنهم قدموا فيلما عن صراع آلهة الأوليمب بأسماء مصرية مستعارة.