توقيت القاهرة المحلي 21:28:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القيادة العالمية.. والعلاقات الفاسدة

  مصر اليوم -

القيادة العالمية والعلاقات الفاسدة

بقلم : مي عزام

(1)

فى حديث للرئيس الروسى بوتين مع قناة «روسيا 1»، أجاب عن سؤال ما إذا كانت روسيا ستفسد العلاقات مع الولايات المتحدة فى ظل الرئاسة الجديدة قائلًا: «العلاقات الفاسدة لا يمكن إفسادها». وإجابته تعبير عن المرحلة الصعبة التى تمر بها العلاقة بين البلدين والتى تعيد للأذهان فترة الحرب الباردة بينهما. متابعة الأخبار الدولية والإقليمية والمحلية تشير إلى أن العلاقات الفاسدة ليست بين روسيا وأمريكا فقط لكنها من سمات المرحلة التى يمر بها العالم، العلاقات الفاسدة منتشرة بين الدول شرقًا وغربًا، جنوبًا وشمالًا، والعلاقات الفاسدة تزحف أيضًا داخل حدود الدول، وليس فقط عبر حدودها، بين فئات الشعب الواحد وبين أنظمة الحكم والمواطنين.. الشك أصبح عنوانًا وانعدام اليقين وغياب المعايير الأخلاقية الواضحة ومحددة سلفًا يؤديان إلى تطبيق سياسة المعايير المزدوجة مع القضايا العالقة، مما يقلل من ثقة الناس فى النظام العالمى وفى أنظمة حكم الدول، وفى قدرة كليهما على تحقيق العدالة والشراكة فى العلاقات الدولية وبين مواطنى الدولة الواحدة.

(2)

كتاب المفكر والأكاديمى الكندى ألان دونو:

«LA Mediocratie» أو نظام التفاهة، كما ترجم بالعربية، يحدثنا عن التغيرات الكبيرة التى حدثت فى عالم السياسة ومجال الدولة والشأن العام، وكيف يفتقد العالم الآن القادة أصحاب الرؤية العالمية الواسعة المتمسكين بالمفاهيم الأخلاقية، وهو يؤرخ لمولد جذور حكم التفاهة بعهد مارجريت تاتشر فى بريطانيا، يقول فى كتابه: إنه يومها جاء التكنوقراط إلى الحكم، استبدلوا السياسة بمفهوم «الحوكمة»، واستبدلوا الإرادة الشعبية بمفهوم «المقبولية المجتمعية»، والمواطن بـ«الشريك». فى النهاية صار الشأن العام تقنية «إدارة» لا منظومة قيم ومُثُل ومبادئ ومفاهيم عُليا. وصارت الدولة مجرد شركة خاصة تدار بمفهوم الربح والخسارة. وصارت قاعدة النجاح أن «تلعب اللعبة »، لم يعد الأمر شأنًا إنسانيًّا، بل «لعبة» يلعبها الجميع رغم أن أحدا لا يتكلم عنها، ولا قواعد مكتوبة لها، ولكنها تتمثل فى الانتماء إلى كيان كبير ما، تستبعد القيم فيه من الاعتبار، فيختزل النشاط المتعلق به إلى مجرد مصالح متعلقة بالربح والخسارة الماديين، كالمال والثروة أو المعنويين كالسمعة والشهرة والعلاقات الاجتماعية، وذلك إلى أن يصاب الجسد الاجتماعى بالفساد بصورة بنيوية فيفقد الناس تدريجيًّا اهتمامهم بالشأن العام، وتقتصر همومهم على فردياتهم الصغيرة، وهكذا ننخرط فى لعبة تصبح أعظم من أنفسنا، ورغم أنه عادة ما يكون بين الأشخاص الطموحين أناس ذوو معايير عالية تنشد النجاح الرفيع وأخرى متدنية يبحثون عن النجاح السهل، فإن من يدير اللعبة هى الفئة الثانية عادة، لأن أفرادها أقرب إلى ما تتطلبه الطبيعة اليومية للحياة من تبسيط ونبذ المجهود والقبول بكل ما هو كافٍ للحدود الدنيا. فإن لم يرتفع هؤلاء إلى المرتبة العالية للأوائل، يحرصوا على أن ينحدر هؤلاء إلى دركهم، والانحدار أمر يحدث بسرعة وبشكل مفاجئ، وما يلبث المرء إلا وقد وجد نفسه قد سقط من عليائه وانضم إلى من فى السفح، فـ«التسفل أيسر من الترفع»!.

(3)

حديث «ألان دونو» ليس نظريًّا، لو تأملت ما يحدث حولك ستجد تطبيقاته جلية، ولعل الظاهرة الترامبية أحد تداعيات نظام التفاهة التسليعى، والذى تم الترويج له من قبل الرأسمالية العالمية، وفيه يتقزم دور الإنسان الفرد وقيمته فى الواقع ويتم تضخيمه فى العالم الافتراضى ويتم الترويج لذلك على أعلى مستوى.

العالم يحتاج فى السنوات القليلة القادمة لوضع نظام عالمى قائم على المشاركة لا المغالبة، نظام عالمى يحافظ على مقدرات كوكب الأرض وعدم استنزاف خيراتها لصالح مزيد من الاستهلاك الشره الذى تغذيه الرأسمالية المتمثلة فى الشركات العالمية فى نفوس البشر، نظام يحقق العدالة للضعيف قبل القوى، والمطلوب من أمريكا- كدولة عظمى- أن تقاوم إغراء الاستحواذ والهيمنة وتعيد صياغة علاقتها الدولية وفق القيم ومفاهيم المشاركة الإنسانية وليس مجرد تحقيق مصالحها على حساب الآخرين.

والمطلوب منا كأفراد أن نقاوم التشوهات فى المفاهيم ونرفض كل ما يشدنا إلى أسفل، وأن نعيد لحياتنا مفاهيم المشاركة والمحبة والكرامة الإنسانية وأن نعلى المصلحة العامة على المصلحة الفردية وإلا سيكون مصيرنا جميعًا الهلاك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القيادة العالمية والعلاقات الفاسدة القيادة العالمية والعلاقات الفاسدة



GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 08:18 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 08:15 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon