بقلم : مي عزام
(1)
منذ أربعة شهور تقريبًا كتبت مقالًا بعنوان «مفاوضات سد النهضة.. معركة وجود» جاء فيه: «أعتقد أن علينا التعامل مع ملف سد النهضة بنفس الجدية والروح التي تعاملت بها مصر مع حرب أكتوبر، بالدراسة والاستعداد والتأهيل والبحث عن أفضل العناصر التفاوضية ذات الفكر الإبداعى للخروج من هذا المأزق. المفاوضات ليست «مكلمة»، لكنها معارك حاسمة دون بارود، تُستخدم فيها كل الأسلحة المتاحة، ويتم التخطيط لها تماما مثل الحروب العسكرية، ووضع خطط بديلة في حال حدوث أي تغيرات غير متوقعة، ثم متابعة نتائجها وتقييمها. والمفاوض الجيد هو من يمتلك الكفاءة والمعرفة بالأهداف الاستراتيجية متعددة البدائل، ويتمتع بالمرونة والحزم، ويعرف كيف يغرى بالجزرة ومتى يهدد بالعصا، وعلى مصر أن تبحث بجدية عن مثل هذا المفاوض ولدينا هذه الكفاءات».
المفاوض المصرى كان حسن النية، لم يستخدم إمكانيات مصر على الحشد عربيا وعالميا لإبراز حقها في الحياة الذي يسبق الحق في التنمية، جولات «سامح شكرى»، وزير الخارجية، الحالية مهمة، لكننى أعتقد أنها جاءت متأخرة، وكان يجب أن تسبق موقف إثيوبيا المتعنت. بات الأمر واضحا أن اثيوبيا، مدعومة من أطراف إقليمية ودولية، تدعى حقا ليس لها في التصرف في مياه النيل الأزرق النابع من أرضها، ضاربة بذلك القانون الدولى والاتفاقيات الخاصة بالأنهار غير الملاحية عرض الحائط.
(2)
مياه النيل مسألة حياة أو موت بالنسبة للمصريين، وأعتقد أن الأمر يستحق تشكيل هيئة لإدارة هذه الأزمة تابعة لرئيس الجمهورية مباشرة أو رئيس الوزراء، يشارك فيها خبراء وعلماء ومفكرون وإعلاميون من خارج الحكومة ومن داخل النظام، من تجد الحكومة ضرورة لوجوده ممثلا عن مؤسسات الدولة، من مهامها مخاطبة الشعب لتوضح له الخطوات القادمة ودوره فيها والمطلوب منه، وتُظهر للشعب حلفاءنا الحقيقيين الذين يساندوننا في هذه المعركة المصيرية، فهناك دولة عربية حليفة لمصر لديها استثمارات واسعة في إثيوبيا وتشارك في تمويل سد النهضة، علينا أن نعرف هل قامت هذه الدول بدورها في الضغط على إثيوبيا بالتهديد بسحب استثمارتها في حال عدم توقيع إثيوبيا على اتفاق قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، الذي تم التوافق عليه عقب اجتماعات واشنطن ووقعته مصر بالأحرف الاولى أم لا؟ وجميعنا نتذكر بامتنان موقف الملك فيصل إبان حرب 73 حين استخدم سلاح النفط لدعم مصر وسوريا، الأزمات تُظهر معدن الحلفاء ومدى صمود التحالفات.
(3)
هيئة إدارة الأزمات لديها أيضا أزمتان عاجلتان، أولاهما كورونا، أزمة تشاركنا فيها حوالى 100 دولة حول العالم، الفرق بينها يكمن في كيفية التعامل مع هذا الوباء والإجراءات الوقائية والعزل والعلاج، مشهد تزاحم المواطنين المصريين أمام المعامل المركزية لوزارة الصحة في القاهرة لإجراء تحليل فيروس «كورونا» كان صادما ومثيرا للسخط، فهو يخالف إرشادات الوقاية من الفيروس ويدل على عدم استعداد وزارة الصحة لإدارة أزمة بهذا الحجم، والحقيقة أن الأمر أكبر فعلاً من إمكانيات وزارة الصحة المحدودة والمتواضعة، وهنا على لجنة إدارة الأزمات أن تضع خطة عاجلة وشاملة وتكون لديها صلاحيات تنفيذية وإمكانيات مادية، وأن تضع خطة تشمل مستشفيات وزارة الصحة والجيش والشرطة والقطاع الخاص، وأن تضع في اعتبارها إمكانية فتح باب التطوع والتبرع، فيجب أن تكون الخطة الموضوعة وقائية وعلاجية على أعلى مستوى ممكن.
وهناك أزمة ثالثة عاجلة، وهى تضرر قطاع السياحة، وهو القطاع الاقتصادى الأكثر تأثراً بتفشى كورونا حول العالم، ومصر من الدول التي تمثل لها السياحة دخلاً مهماً، وهنا لابد أن توضع خطط عاجلة للتصرف حيال ذلك الأمر وكيفية تقليل الخسائر قدر الإمكان، ومدى استعداد مصر لفحص السائحين القادمين لمصر وعزل وعلاج المصابين منهم في الداخل، فهذا جزء من صورة مصر ودعايتها السياحية: الخدمات المقدمة للسائحين، والنظافة العامة، وأساليب الوقاية المتبعة.
هيئة إدارة الأزمات لن تنجح دون مشاركة شعبية وشفافية، بهما يمكن استعادة لُحمة الشعب المصرى واصطفافه وراء أهداف واضحة، في الشدائد يظهر معدن المصريين الحقيقى وصلابتهم.
حفظ الله مصر شعبًا وأرضًا ونيلًا.