بقلم : مي عزام
بعض عناوين الأخبار هذا الأسبوع كانت ذات أهمية كبيرة ومنها: تقرير البرلمان الأوروبى الخاص بمصر حول حقوق الإنسان، التحذير الأمريكى لإيران من القيام بأى عمل انتقامى فى الذكرى الأولى لمقتل «قاسم سليمانى»، تنامى الحضور الروسى فى جمهورية إفريقيا الوسطى، الدول الموقعة على الاتفاق النووى الإيرانى تبحث العودة إلى المفاوضات بعد تنصيب «بايدن» رئيسًا لأمريكا، زيارة «كوشنر» صهر ترامب لإسرائيل لمتابعة سير العمل باتفاقيات التطبيع التى وقعتها عدة دول عربية مع إسرائيل مؤخرًا، كلها أخبار مهمة تستحق النقاش والكتابة عنها، لكن خبر تحوّر فيروس كورونا وظهور سلالة جديدة منه سريعة الانتشار فى لندن كان الأكثر إلحاحًا على عقلى وفكرى.
(2)
جائحة كورونا، بلا منازع هى الحدث الأهم فى 2020، ويمكن اعتبار الفيروس شخصية العام الأكثر تأثيرا، ويليه الرئيس الأمريكى ترامب، والذى كان الوباء من أسباب خسارته الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
هذا الفيروس يعمل جاهدًا للبقاء على قيد الحياة، ويتحوّر بطفرات جينية تثير قلق العامة وتربك العلماء، يتلاعب بالدول والشعوب، وتأثيره يفوق التدخلات الأمريكية وهجمات الجماعات الإرهابية وسطوة أنظمة الحكم الاستبدادية، فرض قهرًا عادات جديدة على الناس وحرم الفرد من حقوق طالما تمسك بها وتظاهر من أجلها ومنها حرية التنقل والاجتماع مع الآخرين دون قيد أو شرط. كورونا أجبرت الناس على مراجعة خططهم المستقبلية ووضعتهم قيد الإقامة الجبرية دون ذنب ارتكبوه أو مخالفة قاموا بها، كورونا فيروس مستبد، لكن لا أحد يملك محاكمته أو شجب أفعاله أو تجريمها أو إصدار قرار دولى بفرض العقوبات عليه وتحجيم نشاطه التخريبى رغم الخسائر الفادحة التى تسبب فيها. لو تدبرت تبعات كورونا لأصابك الهلع حال تخيلك فيروسًا أكثر فتكًا منه وأسرع انتشارًا يغزو العالم وهل نحن مستعدون لهذا السيناريو؟. المفارقة بين قدرة دول عظمى على محو دول أخرى من على الخريطة باستخدام سلاحها النووى الفتاك وعجزها عن الفعل نفسه مع الفيروس يبدو مدهشًا، أقصى ما تصبو إليه الدول الكبرى إيجاد علاج فعال للفيروس والتوصل لمصل يقينا منه ويعيد لنا بعضًا من الطمأنينة المفقودة.
(3)
البعض يتحدث عن عام 2020 على اعتبار أنه الأسوأ؟ فهل هذا حقيقى؟، يربكنى السؤال والإجابة، فالزمن، كما أعتقد، هو عمرك الممتد بقدر ما هو مكتوب لك، اخترع الإنسان وحدات لقياسه: سنة، شهر، يوم، ساعة، دقيقة وثانية، ليسهل عليه الحساب والتذكر والتدوين والتوثيق. «الماضى» و«الحاضر» و«المستقبل»، مصطلحات كان لابد من استعمالها للتعامل مع لغز الزمن المستعصى على فهمنا، الخفة والثقل تجاه الوقت أو الزمن مشاعر داخلية بحتة. أعرف شابًا يعتبر عام 2020 أفضل سنوات حياته وانتشار كورونا أفضل ما حدث فيها، لم يكن يستطيع أن يتزوج خطيبته بسرعة فى ظروف أخرى، حماته كانت مصرّة على أن يكون حفل زفاف ابنتها الوحيدة فى فندق 5 نجوم وشهر العسل خارج مصر، ادخار هذه المبالغ كان يحتاج منه على الأقل عامين، لكن حدث ما لم يكن يتوقعه، أصيبت حماته بكورونا وكانت حالتها حرجة وعندما خرجت من المستشفى أصرت على إتمام زفاف ابنتها فى أسرع وقت وفى أضيق الحدود وشهر العسل كان فى الغردقة، بالنسبة لهذا الشاب 2020 كان عام تحقيق الأحلام، وبالنسبة لشاب آخر كان الأسوأ، فلقد ترك عمله فى شركة اتصالات كبرى ليبدأ تأسيس شركة سياحة خارجية وهو مجال يحبه ويتقنه، ثم جاءت جائحة كورونا، خسر كل مدخراته وأغلق الشركة بعد أن عجز عن دفع مرتبات العاملين.
(4)
الحياة يوم حلو ويوم مر، والإنسان كائن مرن استطاع التعايش مع أسوأ الظروف، مر عليه خلال عمره الطويل على كوكب الأرض ما هو أسوأ من وباء كورونا، واستطاع أن يستكمل حياته وينسى خسائره ويتعلم من التجارب المريرة ويستخدم خبراته السابقة فى التصدى للأسوأ. جائحة كورونا لن تكون الأخيرة فستأتى جوائح فيروسية فى المستقبل ربما أشد ضراوة، وعلى الدول أن تستعد للتعامل مع هذه الأخطار المتوقعة بأقل خسائر ممكنة، وعلى الفرد أن يتأمل حياته خلال هذا العام، صحيح أنه فقد بعضًا من قدرته على التحكم فى ممارسة حياته كما يحب، لكنه اكتسب خبرة ومعرفة بما هو مهم وضرورى وما هو رفاهية وكماليات يمكن الاستغناء عنها.. درس 2020 ممتد المفعول فذاكروه جيدًا.