بقلم : مي عزام
(1)
أصيب العالم بالهلع والحزن جراء انفجار مرفأ بيروت وما حل بها من تدمير جزئى وسقوط عشرات القتلى وآلاف المصابين، أدرك الجميع أن الانفجار كان نتيجة طبيعية لفشل الدولة اللبنانية، وعجزها عن إيجاد حلول لأزمة لبنان الاقتصادية، وحتى إن وُجدت حلول فهى غير قادرة على تنفيذها، فالدولة فى لبنان مثل الملوك فى أوروبا، تملك ولا تحكم. الطائفية فى لبنان عبء على مفهوم الدولة الحديثة، وعبء على اللبنانيين الذين خرجوا فى الشوارع ناقمين على نظام حكم هش عاجز عن إدارة مقدرات لبنان وثرواته، ولم يحاسب فيه مسؤول عن إهدار ونهب المال العام.
(2)
الشعوب تغضب وتثور لتعرب عن رفضها لأوضاع تؤذيها ولا ترضى عنها وتريد تغييرها، فى أكتوبر من العام الماضى اشتعلت المظاهرات فى لبنان على أثر فرض مجلس الوزراء حزمة ضرائب جديدة، ومنها ضريبة على الاتصال عبر تطبيق الواتس آب، وكانت القشة التى قصمت ظهر البعير، ورغم تراجع الحكومة عن ضريبة الاتصالات تجاوبا مع المظاهرات، إلا أن الأمر خرج عن السيطرة، ورفع المتظاهرون شعار «كلكن يعنى كلكن»، كان شعارا موجها للطبقة السياسية بكافة مكوناتها الطائفية، يُحمّلها المسؤولية عن إفلاس البلد ونهبه وإفقار اللبنانيين. حاول سعد الحريرى، رئيس الحكومة حينذاك، امتصاص غضب الشارع والإعلان عن خطة إصلاحية، رفضها المتظاهرون وطالبوه بالاستقالة، وهو ما حدث، وظل يسير أعمال الحكومة حتى شكل حسان دياب حكومته فى يناير 2020. لم ينجح دياب فيما فشل فيه الحريرى، بل ازداد الطين بلة، حيث تدهورت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار وفقدت أكثر من 100% من قيمتها، وذلك بعد أن فشلت الدولة فى سداد قسط الدين المستحق عليها بالعملة الأجنبية فى مارس الماضى. وفى إبريل الماضى تقدم لبنان بطلب مساعدة لصندوق النقد الدولى تعينه على الخروج من عثرته، لبنان يحتاج ما يقرب من 100 مليار دولار ليخرج من عثرته، وهو مبلغ صعب الحصول عليه بالاقتراض من الصندوق أو مؤتمر المانحين ودول الخليج، فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها العالم بسبب جائحة كورونا، وأيضا لأن هناك شروطا قاسية لابد للبنان من الموافقة عليها، تعثرت المفاوضات مع الصندوق وزادت الصعوبات المعيشية على اللبنانيين وارتفعت أسعار السلع الأساسية ارتفاعا كبيرا.
(3)
بعد انفجار مرفأ بيروت بأسبوع تقدم حسان دياب باستقالة حكومته للرئيس عون تحت ضغط الشارع الغاضب على نظام الحكم العقيم، وعاد شعار «كلكن يعنى كلكن» يتردد، لكن هل يمكن لهذا الشعار الحالم بمستقبل تختفى فيه الطائفية من لبنان أن يتحقق؟. علمتنا التجارب أن الثورات الشعبية لا تنجح بدون قوة تساندها، فى الدول العربية ذات الجيوش الوطنية القوية، كان دعم المؤسسة العسكرية ضروريا لنجاح الحراك الشعبى، حدث ذلك فى تونس ومصر والجزائر، وحين انقسم الجيش على نفسه تحول الأمر إلى حرب أهلية كما فى سوريا واليمن، وفى ليبيا عدم وجود جيش وطنى قوى وتوافر السلاح فى يد القبائل حول ليبيا لساحة قتال مفتوحة أدت لتدخلات دولية وإقليمية عقدت الأمور وزادتها اشتعالا. والسؤال: هل الجيش اللبنانى سيدعم الحراك الشعبى؟ حتى لو فعل فهو لا يكفى، لأن عددا من الطوائف اللبنانية لديها ميليشيات مسلحة قوية، وفى مقدمتها حزب الله الذى أعلن منذ البداية رفضه هذا الحراك واتهم أمريكا بأنها وراءه بهدف تفجير لبنان من الداخل، لكن الحقيقة تقول إن لبنان سائر بالفعل نحو الانفجار.
(4)
كل قادر على مد العون إلى لبنان لديه شروط ومصالح يريد أن يحققها، أوروبا وفى طليعتها فرنسا، صندوق النقد الدولى وخلفه أمريكا، دول الخليج وعلى رأسها السعودية، هذه الأطراف لديها شرط مشترك: تحجيم حزب الله، والمقصود تقليص النفوذ الإيرانى فى لبنان وما حولها والأسباب معروفة، وهو أمر لا قدرة للنظام اللبنانى عليه، وفى نفس الوقت لا يمكن إغفال أن حزب الله يمثل المقاومة وقوة الردع ضد إسرائيل وأطماعها فى الجنوب. لبنان فى معضلة معقدة ولن يكفى شعار «كلكن يعنى كلكن» لحلها وأدعو الله ألا يواجه لبنان ما هو أسوأ.