بقلم : مي عزام
«حب لأخيك ما تحب لنفسك» عبارة نعرفها جميعا، ولم يعد أحد يصدقها وهو يتابع الحروب والصراعات، والقتال على السلطة والنفوذ والثروات ومحاولة إزاحة مجموعات لصالح أفراد، كل منا يشعر أن العالم فقد بوصلته الأخلاقية وارتمى في أحضان الغواية، كما فعل ماكبث وهو يعتقد أنه يحقق نبوءة الآلهة.
(2)
كاتدارئية نوتردام في باريس احتاجت ما يقرب من 200 عام لتصبح بالصورة التي كانت عليها قبل الحريق الذي التهم برجها العتيق في سويعات، وهى تحتاج الآن 10سنوات لإعادة بنائها وترميمها.
البناء يحتاج سنوات من العمل والصبر عكس الهدم، والإنسان أكثر المشاريع التي تستحق الإنفاق على بنائها وتعزيز كفاءتها، لأنه البناء الوحيد القادر على البقاء والصمود بحالته، مهما كانت الأهوال التي يتعرض لها، كم من دولة خربتها حروب واستطاعت النهوض من جديد بفضل شعبها الذي تربى على المثابرة والإتقان والانتماء. التضحية بالإنسان مقابل أشياء فكر عقيم ونرجسى علينا جميعًا التصدى له.
(3)
في عام 2008، اندلعت أزمة مالية عالمية بسبب تداول رهون العقارات في أمريكا وتوريقها، تسببت في إفلاس عدد كبير من البنوك وانهيار في الأسهم والأسواق المالية العالمية، مما أدى إلى حالة من الركود العالمى، وتقليل الطلب على السلع والنشاط التجارى. في خضم هذه الأزمة، فقدت شركة بارى واهميلر، شركة أمريكية مقرها سانت لويس، 30% من عقودها، وكان لا بد من توفير 10 ملايين دولار من نفقاتها، الحل الجاهز: تسريح عدد من العاملين البالغ عددهم 7 آلاف حتى تنجو الشركة، وهو الاقتراح الأسهل والأقرب إلى أذهان أغلبية مديرى الشركات، لكن مالك الشركة ومديرها التنفيذى بوب تشابمان رفضه، ودخل في حوار طويل مع مجلس الإدارة حتى أقنعهم باقتراح آخر: الحفاظ على العاملين على أن يقوم الجميع، بداية من أصغر عامل إلى رئيس مجلس الإدارة، بإجازة لمدة 4 أسابيع بدون أجر. حين شعر العاملون بأن الشركة تعاملهم كأسرة واحدة وأنهم ليسوا مجرد عمالة يمكن الاستغناء عنها، تطوع البعض من الذين لديهم مدخرات بالقيام بإجازة لمدة أطول لصالح عمال لا يستطيعون العيش بدون أجر لمدة شهر.
(4)
استطاعت الشركة أن تحقق وفرا أعلى من المتوقع، دون الاستغناء عن عامل واحد، وتجاوزت الأزمة، وأصبح بوب تشابمان مبشرًا لمفهوم يسميه القيادة الإنسانية الحقيقية، وفى عام 2015، قام مع البروفيسور «راج سيسوديا»، مؤسس حركة «وعى الرأسمالية»، بنشر كتاب عنوانه: «كل شخص يهم: القوة الاستثنائية لرعاية شعبك مثل العائلة» وخلال شهور من طرح الكتاب أصبح من أكثر الكتب مبيعا.
(5)
تذكرت «بوب تشابمان» الذي قرأت عن تجربته واستمعت لمحاضرة له، على يوتيوب، حين جمعتنى مؤخرا جلسة مع مدير لمؤسسة شهيرة خاسرة، شرح لى بزهو أن مهمته الأساسية الاستغناء عن عدد كبير من العاملين حتى تستمر المؤسسة، هذا المسؤول مثال لأحادية التفكير، فهو لم يفكر في وسائل غير تقليدية للخروج من المأزق، ولكنه فقط فكر في إيقاف نزيف الخسائر بغض النظر عن العائلات التي ستتأذى بسبب تسريح عوائلها من المؤسسة.
(6)
ذكر «بوب تشامبان» في كتابه أن تعليمه التجارى جعله يرى الناس على أنهم وظائف وأشياء يتم استخدامها لتحقيق أهدافه الخاصة، بدلاً من كونهم بشرا لديهم آمال وأحلام ومخاوف وطموحات شرعية مثل أفراد أسرته، واليوم، تمحورت الشركة التي يديرها حول مبدأ: «مقياس النجاح ما نلمسه من تحسن في حياة الناس».
الدراسات العلمية أثبتت أن أعلى الدوافع لرضا الموظفين عن عملهم هو شعورهم أن المشرف عليهم يهتم بصدق برفاهيتهم، الشعور بالحب والعناية هو الحافز الأهم لبذل أقصى جهد وإتقان.
لو رفعت المؤسسات المصرية الخاسرة شعار «حب لأخيك ما تحب لنفسك» ستحقق نتائج مذهلة.