بقلم : مي عزام
(1)
من الآن وحتى نهاية الشهر، ستبدأ فقرات نهاية العام المعتادة والأرشيفية حول أهم الأحداث العالمية فى العام المنتهى ولايته علينا، وكذلك الشخصيات صاحبة التأثير والإنجازات فيه. ولعل أفضل عنوان لعام 2020 هو عام الجائحة، فيروس كورونا كان الكائن الأصغر شأنًا والأكثر تأثيرًا على العالم خلال عامنا هذا، بحضوره الطاغى انتهك بضراوة معنى اليقين وضرب بقوة فكرة الإرادة الفردية فى حرية التنقل ووضع الخطط المستقبلية قريبة المدى، واجهنا بفشلنا فى حماية حياتنا، وأظهر لنا أن النظام العالمى ليس مستعدًّا لمعارك الحياة، لكنه مستعد ومتأهب لحروب الموت والدمار والفناء، الدول العظمى لديها خطط مسبقة فى حال حدوث حرب نووية أو تقليدية أو اختراق لأمنها القومى، لكن ليس لديها استراتيجية لمواجهة الأوبئة التى تعرض حياة الناس للخطر وتمنعهم من مواصلة حياتهم الطبيعية. هذا الفيروس غير المنظور ألقى بظلاله على أهم انتخابات فى العالم: الانتخابات الرئاسية الأمريكية، رد فعل الرئيس ترامب وإدارته لم يكن على مستوى توقع الداخل الأمريكى والخارج العالمى، وبدت الولايات المتحدة الأمريكية وهى الدولة الأقوى اقتصاديًّا وعسكريًّا عاجزة عن تأمين وتوفير الخدمات الصحية لمواطنيها فى بداية الجائحة ولم تكن قادرة على اتخاذ إجراءات وتدابير وقائية فعالة، مثلها مثل دول العالم الثالث.
(2)
تأثير كورونا على الاقتصاد العالمى كان مدمرًا، وستظل تداعياته حاضرة فى 2021، التجربة كانت قاسية للغاية، توقفت مصانع وشركات عن العمل تمامًا، قطاع الطيران والسياحة والترفيه تضرر بشدة، تم تسريح أعداد كبيرة من العاملين فى مختلف المجالات، نجت الشركات والمؤسسات التى استطاعت أن تقدم خدماتها للعملاء من خلال عمل موظفيها فى المنزل، وسيكون لذلك تأثير على وضع خطط التشغيل والتوظيف خلال السنوات القليلة القادمة، ما يحتاجه العالم ليس مجرد تغيير فى هيكل العمل والهرم الوظيفى، العالم يحتاج لإعادة النظر فى أهلية النظام الرأسمالى الحالى، وهل هو كاف لتحقيق طموحات عامة الناس فى حياة كريمة آمنة، أم أنه يزيد الفجوة كل عام بين الفقراء والأغنياء ويساعد على تراكم الثروة فى يد قلة قليلة من أثرياء العالم على حساب المليارات من البشر وهو وضع يعوق هذا الاقتصاد نفسه بعد فترة ويؤدى إلى عدم استقرار وقلاقل؟!.
(3)
هل تغير أداء الزعماء والحكومات فى ظل الجائحة؟ تابعنا كيف اختلفت ردود الفعل بين الدول، قدمت حكومات مساعدات عاجلة للشركات والمصانع المتعثرة وكذلك للمواطنين الذين فقدوا وظائفهم، وخففت الأعباء عن المواطنين، فى حين لم تقدم دول أخرى أى نوع من أنواع الدعم، بل حاولت أن تعوض الخسائر التى تكبدها الاقتصاد القومى بفرض المزيد من الضرائب على المواطنين ورفع أسعار الخدمات المقدمة لهم، وتوقف الأمر على قدرة اقتصاد الدول على تحمل الخسائر الاقتصادية وتراجع أرقام النمو، معظم الحكومات استدانت بسبب جائحة كورونا لتسد العجز بين الإيرادات المتراجعة والمصروفات المتزايدة، ردود أفعال الحكومات سيكون لها رد فعل فى أى انتخابات تجرى بعد جائحة كورونا كما حدث فى الولايات المتحدة الأمريكية، كان من المفترض أن يكون للجائحة تأثير على ملف الحقوق والحريات فى العالم، وأن يكون هناك تحسن كبير، فى زمن الجائحة عادة ترق المشاعر الإنسانية وتصبح أكثر رهافة تجاه الآخرين ومعاناتهم، لكن للأسف هذا لم يحدث.
(4)
السياسة الدولية لم تتأثر على الإطلاق بجائحة كورونا، منطقة الشرق الأوسط ما زالت ملتهبة بالنزاعات والصراعات ومحاولات فرض السيطرة، ثلاث قوى إقليمية غير عربية تتصارع فى المنطقة على المصالح والنفوذ ودوائر التأثير، والعرب عاجزون عن الفعل يبحثون بيأس عن راعٍ ينتشلهم من مأزقهم الوجودى وغربتهم فى أوطانهم.