(1)
التحالفات التقليدية تجف كأوراق الخريف، تتساقط في هدوء، لا نسمع لها حفيفا، مجرد خشخشة لا تزعج أحدا حين تسير عليها الأقدام الغليظة.
(2)
بعد الحرب العالمية الثانية، انصاعت أوروبا الغربية إلى الوصاية الأمريكية؛ ردًا للجميل، وأيضا لأن المعسكر الغربى كانت مصالحة واحدة، في مقابل المعسكر الشرقى. الآن اختلف الأمر حتى إن الرئيس ماكرون اقترح تأسيس جيش أوروبى موحد للدفاع عنها ضد من يهددها، وجعل أمريكا ضمن قائمة المهددين.
تركيا عضو الناتو، والتى سعت جاهدة لدخول الاتحاد الأوروبى تعاقدت على شراء نظام دفاع جوى صاروخى من روسيا المنافس التاريخى للناتو.
قطر عضو مجلس التعاون الخليجى تغرد خارج السرب، وتستخدم أذرعها الإعلامية للنيل من السعودية والإمارات وسياستهما.
ثورات الربيع العربى كشفت أقنعة عدد من الأنظمة العربية التي خلعت برقع الحياء، وأنكرت أحاديث الأخوة، والنتيجة حروب أهلية واستقطاب مجتمعى، بعد سنوات من الدمار اختلطت الأوراق، وتغيرت التحالفات في المنطقة، وتفرق الدم العربى بين القبائل.
القضية الفلسطينية لم تعد القضية المحورية عند العرب، وإسرائيل لم تعد العدو الاستراتيجى.. خوف بعض دول الخليج من النفوذ الإيرانى وحلفائها في المنطقة جعل إيران العدو الأول لهم، وقدموها على داعش.
(3)
صفقة القرن التي عرضها صهر ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط، جاريد كوشنر، مصطلح يتم تداوله من فترة، والمقصود به صفقة لتبادل أراضى تنهى القضية الفلسطينية، ينكره البعض، ويؤكده آخرون، الصفقة ستكون سببًا جديدًا للشقاق بين الدول العربية والتحالفات الإقليمية.
ما يحدث في ليبيا يهم مصر، خاصة بعد أن تحولت لساحة حرب وصراع بين قوى ليبية تساند كل منها دول كبرى وإقليمية وعربية، مصر ليس لها مطامع في ليبيا، لكنها تطمح في استقرار البلد الشقيق وعدم تعرض حدودنا الغربية لأى مخاطر، حلفاء الأمس قد تتعارض مصالحهم مع مصر في اللحظة الآنية، وهنا لن تجد مصر بديلا عن الخروج من تحالفات تمثل عبئا على كاهلها، وتختلف مساراتها مع الأمن القومى المصرى.
(4)
السمة الأساسية في النظام العالمى الحالى الذي أوشك على الانهيار والتحلل، انعدام الثقة بين حلفاء الأمس التقليديين، والبحث عن حلفاء جدد يتشاركون نفس المصالح ووجهات النظر. تركيا تحالفت مع روسيا وإيران في سوريا، وابتعدت خطوتين عن أمريكا؛ لأن الأخيرة استمرت في مساندة قوات حماية الشعب الكردى، أوروبا تعانى من تهرب ترامب من تعهدات أمريكا الدولية دون مراعاة لمصالح حلفائه الغربيين، مثل الخروج من الاتفاق النووى الإيرانى واتفاقية المناخ وفرض رسوم حماية على سلع أوروبية مصدرة لأمريكا، التي كانت مهندسة العولمة والأسواق المفتوحة، هي الآن التي تقوض هذا النظام على يد رئيسها ترامب الذي يتمتع بموهبة استفزاز حلفائه أكثر من أعدائه.
(5)
عدد من عقلاء الكتاب الأمريكيين نصحوا ترامب بألا يدعَ خطة كوشنر للسلام ترى النور (صفقة القرن)، لأن إطلاق اقتراح أمريكى من شأنه أن يفشل سيؤدى إلى إضفاء الشرعية على الضم الإسرائيلى للضفة الغربية، وسيمنح المملكة العربية السعودية نفوذا، لكنه سيعزز إيران، وسيزيد من العنف والإرهاب في المنطقة، طرح خطة سلام أمريكية جديدة في هذه اللحظة سيكون خطأ فادحًا من شأنه أن يزيد الأمور سوءًا، ونصحوه بالتركيز على استقرار الوضع في غزة.
(6)
صفقة القرن ليست خطة سلام عادل، يعيد بعضا من الحق الفلسطينى المغتصب، لكنها صفقة مشبوهة من التي اعتاد عليها ترامب في شبابه المبكر، وبالنسبة لمصر صفقة خاسرة استراتيجيًا وغير مقبولة.
المستقبل يحمل تغيرات بطيئة لكن ملموسة في التحالفات المصرية العربية والإقليمية ستعيد تشكيل سياسة مصر الخارجية، فمنطقتنا العربية لا تحتمل مزيدًا من العداءات والحروب، بل تحتاج إلى استقرار مبنى على العدالة والنزاهة والتنمية المستدامة ومحاربة الفساد.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع