بقلم : مي عزام
(1)
الترقب والتوتر هو الشعور الذى يشترك فيه عالمنا اليوم وحتى تعلن المختبرات عن لقاح ومصل وعلاج فعال لفيروس كورونا، حتى الآن تصريحات منظمة الصحة العالمية غير مطمئنة بل تميل للتشاؤم وتتوقع موجة ثانية من الوباء فى الخريف المقبل.
«هذه الفترة غير المسبوقة» عبارة تتردد كثيرا حين يتم الحديث عن تراجع النمو الاقتصادى وزيادة معدلات البطالة بسبب الوباء. ويكفى لتوضيح مدى جسامة الأزمة المالية الحالية ذِكر أن فى الربع الثانى من العام الحالى انكمش الاقتصاد الأمريكى بنسبة 32.9%، مسجلا أكبر تراجع فى تاريخ أمريكا، كما كشفت كورونا عن انعدام المساواة فى المجتمعات، الفئات الأكثر فقرا كانت الأكثر عرضة للمعاناة من المرض، وفضحت قصور أنظمة الرعاية الصحية فى معظم الدول الرأسمالية المتقدمة.
(2)
الخوف حاضر بقوة فى حياتنا اليومية، خاصة فى منطقتنا المنكوبة التى تعانى من تداعيات كورونا مضافة إليها الحروب الأهلية والصراعات الإقليمية والأزمات الاقتصادية الحادة والمخاوف الأمنية الداخلية والخارجية، حاضرنا محاصر ومفاتيح مستقبلنا فى يد غيرنا فى المشرق العربى، لبنان محاصر، وسوريا والعراق يحاولان النهوض من تحت الرماد بين اليأس والرجاء، واليمن مازال يتجرع كأس الألم، حديث السلام يتكرر والأيدى قابضة على السلاح!!.. المفاوضات لا تروى عطش المفاوضين حول المياه والغاز والنفوذ والقواعد العسكرية والأسواق، الحديث عن التعاون الدولى ورفاهية الشعوب، ورقة توت يستر بها المستغلون الجدد عوراتهم. لم تعد الأمور محسومة وواضحة كما كانت فى القرن الماضى: حين كان النظام العالمى منقسم لمعسكرين شرقى وغربى، التصنيف الأيديولوجى سقط مع سقوط الاتحاد السوفيتى وبمباركة غربية، المصالح المتبادلة وتشجيع الاستهلاك وفتح الأسواق هى العقيدة العالمية التى يعتنقها كل راغب فى المنافسة والحصول على حصة ومكانة على كوكب الأرض، وعلى كل راغب أن يثبت جدارته فى لعبة الدم والجوع.
(3)
وسط كل هذا الارتباك الدولى، تحتاج الشعوب إلى نُظم حكم تطمئنها بأن الأمور بخير وتحت السيطرة، نظم حكم تثق بها وترضى عنها، تدافع عن مصالحها وتحقق العدل وتنفذ القانون، تحمى حدودها الخارجية وتحقق الأمن والأمان داخليا. يقول المفكر الأمريكى «نعوم تشومسكى» فى كتابه: «الربح فوق الشعب»: «إن أى مجتمع ديمقراطى محترم يجب أن يقوم على مبدأ موافقة ورضا المحكوم، حاولت القوى الشعبية عبر السنين كسب نصيب أكبر فى إدارة الأمور، فحققت بعض النجاح إلى جانب الكثير من الهزائم.
فى النظم الديمقراطية يتمتع المحكوم بحق الموافقة ليس أكثر، يحق للسكان أن يكونوا «نظارة» ولكن ليسوا مشاركين، فضلا عن ممارسة الاختيار بين الحين والآخر من بين الزعماء الذين يمثلون السلطة الحقيقية، هذه هى الحلبة السياسية، ويجب استبعاد مجموع السكان كلية من الحلبة الاقتصادية، يجب ألا يكون للجمهور دور هنا».
الشعوب تنتفض بعد أن شعرت أنها مستبعدة عند اتخاذ القرارات المصيرية التى تمس حياتهم من جانب السلطة الحاكمة، كان ذلك سببا من أسباب ثورات الربيع العربى والحراك السودانى والجزائرى واللبنانى مؤخرا، الشعوب فقدت الثقة بنظم الحكم، حتى فى الدول العريقة فى الديمقراطية مثل فرنسا، كشفت مظاهرات السترات الصفراء عورات الرأسمالية ومجلس إدارة العالم. العالم يراقب الآن مظاهرات «بيلاروسيا» ضد الرئيس «ألكسندر لوكاشينكو»، المستمر فى حكم البلاد منذ 26 عاما بحجة المستبدين: «إن وجوده يحمى الاستقرار».
(4)
الشعوب جميعًا تعانى بدرجات متفاوتة من الثلاثية السلبية: الترقب المتوتر والخوف وانعدام الثقة. لدينا له سبب إضافى للترقب الحذِر والخوف بسبب تعنت إثيوبيا فيما يخص حصتهم العادلة من مياه النيل، وهو ما يحتاج عملًا جادًّا من جانب الحكومة لطمأنة المواطنين، وأن يتم التعامل مع هذا الملف بشفافية ومصداقية، فهو ملف حساس عند المصريين، فالنيل بالنسبة للمصريين خط أحمر، ومنذ آلاف السنين، ولن يهدأ لهم بال إلا إذا شعروا بأن هذا الخطر الوجودى قد زال.