توقيت القاهرة المحلي 08:43:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إلى أين يتجه العالم دون أخلاق دينية؟

  مصر اليوم -

إلى أين يتجه العالم دون أخلاق دينية

بقلم : مي عزام

(1)

فى كلمة الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيوجوتيريش» أمام الجمعية العامة فى سبتمبر الماضى، تحدث طويلا عن حق الشعوب قاطبة فى حياة آمنة كريمة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن فى ظل الحروب والصراعات والأوبئة والكوارث الطبيعية، وأضاف جوتيريش أنه رغم نمو الاقتصاد العالمى إلا أن هناك خللا فى توزيع الثروة، ودعا قادة العالم لتبنى سياسة المشاركة الإنسانية والتنمية المستدامة فى بلادهم وخارجها.

(2)

وثيقة الأخوة الإنسانية، التى وقعها الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، مطلع العام الحالى، استهلت بمقدمة خليق بنا تأمل معانيها: «يحمِّلُ الإيمانُ المؤمنَ على أن يَرَى فى الآخَر أخًا له، عليه أن يُؤازرَه ويُحبَّه. وانطلاقًا من الإيمان بالله الذى خَلَقَ الناسَ جميعًا وخَلَقَ الكونَ والخلائقَ وساوَى بينَهم برحمتِه، فإنَّ المؤمنَ مَدعُوٌّ للتعبيرِ عن هذه الأُخوَّةِ الإنسانيَّةِ بالاعتناءِ بالخَلِيقةِ وبالكَوْنِ كُلِّه، وبتقديمِ العَوْنِ لكُلِّ إنسانٍ، لا سيَّما الضُّعفاء منهم والأشخاص الأكثر حاجَةً وعَوَزًا».

(3)

المسلسل الأمريكى «هاوس أوف كاردز» يدور حول صناعة القرار فى البيت الأبيض، الشخصية المحورية فيه «فرانسيس أندروود»، سياسى طموح يعرف كيف يتآمر بدون أخلاق، حتى يصل إلى سدة الحكم فى البيت الأبيض بعد أن ارتكب عددا ضخما من الجرائم من بينها القتل، لم تردعه القوانين طالما استطاع الإفلات منها، لم يشعر يوما بوخز الضمير، كان دائم السخرية من الرب فى الخفاء، متخذا من الدين مطية للتأثير على ناخبيه فى العلن.

(4)

لا تحتاج لأن تكون سياسيا محترفا أو مفكرا لتدرك حجم الظلم وعدم الرضا والغضب الذى يجتاح العالم، الثروات تتراكم فى يد قلة قليلة موجودة فى عدد محدود من البلدان على حساب أغلبية تعانى صراعا بين تطلعاتها المتزايدة، نتيجة ثورة الاتصالات ومفاهيم القرية الكونية، وقدرتها المحدودة على تغيير حالها وأحوالها. على مدى عقود طويلة سعت الحضارة الغربية لتغيب الدين وإحلال القوانين بدلًا منه. تم تفكيك مفهوم المجتمع والأسرة لصالح الفرد، وفى النهاية تم اختزال الإنسان فى أمرين: هواه الذى لا يحكمه معيار خارجى، وطبيعته التى تم اختزالها فى الجانب المادى منها، وهو ما تحدث عنه الفيلسوف الكندى «تشارلز تايلور» فى كتاب «مصادر الذات».

(5)

نمط الحياة فى مجتمعات الرأسمالية الليبرالية يفرز شخصية نرجسية تحدث عنها الكاتب والمؤرخ الأمريكى «كريستوفر لاش» فى كتابه «ثقافة النرجسية»، حيث يوضح أن انحسار أفق الغيب ليحل محله الولع بالفردية الذى يهمل التاريخ ويغرق فى التفاصيل الشخصية على المستوى اليومى، غير كل شىء حتى مضمون السياسة، التى تتحول من علاقة اجتماعية مرجعيتها الناس والواقع والتاريخ إلى سعى فردى لتحقيق الذات يتوافق مع العلمنة المتزايدة. ومن وجهة نظر «لاش» فإن إقصاء الدين كنسق قيمى اجتماعى يمهد لسقوط السياسة بالمعنى الجماعى وبروز الأهداف الفردية كمعيار للتحرك الجماعى والحقوقى للحركات الاجتماعية.

(6)

المجتمع حاصل جمع أفراده، والقادة والزعماء أبناء هذا المجتمع وثقافته، يحكمون وفق شخصياتهم التى تشكلت على مدى أعمارهم. وحتى فى وجود مؤسسات قوية ومستقلة، لا يمكن تحييد الجانب الشخصى للحاكم ونوازعه، التى تؤثر على قراراته السياسية فى غياب مرجعية أخلاقية دينية. أغلب قادة العالم وخاصة الدول الكبرى لا يفكرون سوى فى مصالح بلادهم (ومصلحتهم الانتخابية) بغض النظر عن تداعياتها على الشعوب وخاصة فى دول العالم الثالث الأكثر فقرا واحتياجا، وأبلغ مثال على ذلك التعامل مع ملف الهجرة وأزمة اللاجئين.

(7)

الأديان تؤكد على ضرورة التحرر من سجن الذات وهوى النفس وتحفز الإنسان على محبة أخيه الإنسان وحسن معاملته؛ فبدون وازع دينى وشعور بالذنب عند فعل ما هو غير أخلاقى، تفقد المجتمعات الكوابح وتتنامى الفردية النرجسية ويتحول ما كان يسمى «مجتمع» إلى مجرد «تجمع بشرى» لا رابط بينه إلا المصلحة لا التكافل والألفة.. حتى سفينة نوح لن نجدها؛ فلقد بنيت بالإيمان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى أين يتجه العالم دون أخلاق دينية إلى أين يتجه العالم دون أخلاق دينية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon