بقلم : مي عزام
(1)
«الانتحار الفرنسى» كتاب للصحفى اليمينى «إريك زمور» صدر فى أكتوبر 2014، ناقش فيه انهيار فرنسا على مستويات عدة، وصوب فيه سهامه نحو الهجرة وخاصة من العالم العربي- الإسلامى، وركز على مهاجمة المتطرفين وغير المندمجين من المسلمين فى المجتمع الفرنسى.
فى مطلع عام 2015 نشر الكاتب الفرنسى الشهير «ميشيل ويلبيك» رواية «الخضوع » تدور أحداثها فى عام 2022، حين يتولى زعيم حزب إسلامى رئاسة فرنسا، ويتبع ذلك تغيرات جذرية فى المجتمع الفرنسى، حيث يتم تشجيع النساء على ترك أعمالهن، الحجاب يصبح الزى السائد، والحكومة تسمح بتعدد الزوجات، وتجبر الجامعات على تدريس القرآن، الجريمة تختفى فى الأحياء السكنية الفقيرة المكتظة، ويتقبل الشعب الفرنسى فرنسا المتأسلمة الجديدة، سيناريو أسود لانهيار فرنسا التى يعرفها الفرنسيون.
(2)
الخوف من أن يغير الإسلام تركيبة المجتمع الفرنسى العلمانى تحول لفوبيا، يروج لها اليمين المتطرف وانضم إليها مؤخرا الرئيس الفرنسى «ماكرون» بتصريح أثار الاستياء، حين قال إن الإسلام «ديانة تعيش اليوم أزمة فى كل مكان فى العالم»، التعميم أفقده الموضوعية، وكان الأجدر به أن يتحدث عن الأوضاع فى بلاده وحدها، على سبيل المثال إندونسيا أكبر بلد إسلامى من حيث عدد السكان ولا يمثل الإسلام فيها أزمة رغم تعدد الأعراق والديانات. أزمة المسلمين من أصل مغاربى فى فرنسا مرجعها الأساسى الإصرار على تطبيق نموذج التشابه، لأنّ تعدد الثقافات فى المجتمع الواحد بالنسبة إلى تقاليد المجتمع اليعقوبى فى فرنسا يُعدّ تهديدًا لوحدة الأمة، وهو عكس نموذج التعددية الثقافية الذى تطبقه إنجلترا ويعد إثراء للمجتمع، ولذا لا نجد أزمة إسلام فى بريطانيا ولا يتحدث أحد عن انعزالية مسلميها التى يشكو منها الرئيس الفرنسى.
(3)
اعتاد «ماكرون» منذ وصوله للحكم على الجمع بين الإرهاب والإسلام فى عبارة واحدة، وهو خطأ فادح. العمليات الإرهابية التى ينفذها مسلمون جهاديون سببها فى الغالب سياسى وليس دينيا، ولو تتبعنا أصولها سنجدها امتدادا لصراع النفوذ فى أفغانستان، بين أمريكا والاتحاد السوفييتى، كان المطلوب حينذاك أن يتم حشد مقاتلين لمحاربة السوفييت، ولم يكن هناك أفضل من الترويج لفكرة الحرب المقدسة، وتمت تعبئة الشباب المسلم وتسهيل سفرهم إلى أفغانستان كمجاهدين فى سبيل الله ضد الشيوعيين الكفرة الملحدين، كان ميلاد الجهادية الإسلامية على يد المخابرات الأمريكية بدعم من دول عربية وغربية.
(4)
أثناء الحرب الباردة، لم نسمع عن إرهاب إسلامى، كان الإرهاب غربيًّا: الألوية الحمراء، الجيش الأيرلندى، منظمة إيتا الانفصالية وغيرها، وكان أشهر إرهابى هو كارلوس وليس أسامة بن لادن، لكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، كان لا بد من صناعة عدو جديد وهو: «الإسلام».
(5)
هل فعلًا الإسلام خطر على العالم؟، إذن دعونا نفترض: ماذا لو اختفى الإسلام من العالم؟ هل سيحل العالم مشاكله وينعم بالسلام؟ هذه الفرضية طرحها الكاتب الأمريكى جرايهام إى. فاولر فى كتابه «عالم بلا إسلام»، ونفاها قائلا: «يمكننا تقديم إشارات وشواهد تثبت وجود قلاقل جيوبوليتيكية غائرة فى علاقات الشرق الأوسط بالغرب، قبل الإسلام، بل يتعدى الأمر ليسبق ظهور المسيحية أيضا». وأضيف فى موقع آخر: «كانت هناك علاقات باهرة بين الإسلام وأربع من الحضارات العظمى: أوروبا الغربية، روسيا الأورثوذكسية، الهند الهندوسية والصين الكونفوشيوسية. توصل الإسلام وهذه الحضارات إلى أوضاع توافقية، كذلك تم التلاقح فيما بين تلك الحضارات، فالكيفية التى أدار بها المسلمون تعاملاتهم مع الحضارات والأديان الأخرى كانت ناجحة. الأزمة الراهنة فى العلاقات بين (الغرب) و(الإسلام) لا يربطها بالدين إلا برابط يسير غير ذى بال، فى حين ينبع زخمها من الصدام السياسى والثقافى، وكذا تعارض المصالح والتنافس».
(6)
ويضيف الكاتب: «(الصحوة الدينية) أفزعت العديد من الغربيين، وهو أمر له نصيب من الحقيقة، وإن كان جوهر القضية ليس ما يمثله الدين من خطر فى حد ذاته، وإنما (التفكير الدوجماطيقى). فالأهوال والمآسى التى شهدها القرن العشرون لا ترتبط بأى ملمح دينى: حربان كونيتان، فرانكو، موسولينى، هتلر، لينين، ستالين، ماوتسى تونج، بول بوت، رواندا، مصرع مئات الملايين من البشر، ارتبط ذلك كله بأنظمة علمانية بل ملحدة اعتنقت أفكارا دوجماطيقية قامت بتنفيذها بصرامة ووحشية دون اعتبار لفداحة العاقبة».
(7)
الأديان تهدى ولا تخرب، والإسلام هداية وليس أزمة، ولكنه المشجب الذى أراد ماكرون أن يعلق عليه فشله الداخلى والخارجى، هروبًا من الأزمات التى تلاحقه ومخاوفه الشخصية من تحقق سيناريو «الخضوع».