توقيت القاهرة المحلي 09:04:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البحث عن قضية

  مصر اليوم -

البحث عن قضية

بيروت - جاكلين عقيقي

(1)

منذ سنوات جمعتنى جلسة ودية مع الكاتبة سكينة فؤاد، فى شقتها بالمعادى، حيث تعيش بمفردها بعد وفاة الزوج وسفر الابنة وسألتها: كيف تتعاملين مع الوحدة؟ أجابت: «أنا عندى قضية أعيش من أجلها، فأنا مشغولة بمصر، ولو كنت أعيش لنفسى فقط لمت منذ سنوات»، جالت هذه العبارة فى خاطرى أثناء زيارتى إحدى قريباتى المسنات (85 سنة) والتى فقدت زوجها منذ سنوات وتعيش وحيدة فى شقتها حيث يتردد عليها الأبناء والأحفاد، كنت أهنئها بعيد ميلادها ولكنها باغتتنى قائلة: «مللت الحياة وأتمنى الموت، فلا أحد يحتاجنى ولا أريد أن أكون عالة على أحد».

حين تأملت حياة كثيرين حولى من مختلف الأعمار والطبقات، وجدت أن الدور والهدف يجعلان لحياة الإنسان معنى ويبقيانه محبًّا للحياة رغم تقلباتها. المسؤولية التى يحاول البعض التملص منها وكأنها أكياس رمل تعرقل سيره، هى التى ترسخ قدميه على الأرض وتوازن مسيرته، وهو ما قد يفسر اهتمام أثرياء حول العالم، من الذين يتمتعون بالفطنة، بالتبرع بجزء كبير من ثرواتهم وتأسيس جمعيات خيرية تساعد المحتاجين، فالحياة بدون دور أو هدف أسمى من مجرد وجودك البيولوجى لا تؤدى لاستمرار شغفك بالحياة وشعورك بجدواك فى هذا العالم الفانى.

(2)

ما ينطبق على الأشخاص ينطبق على المجتمعات والدول الكبرى المتقدمة، المنتبهة لدورها ومكانتها، حيث تسعى دومًا للبحث عن قضية تدافع عنها، وتصبح من القيم التى تؤسس لها داخليا وتصدرها وتروج لها بل تتخذها أحيانا ذريعة للتدخل فى شؤون دول أخرى وحثها على تطبيقها على اعتبار أنها حامية تلك القيم والمدافعة عن هذه القضية، على سبيل المثال الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان أصبحت قضية ذات أولوية لدى الغرب بعد انتهاء الحرب الباردة وعصر الأيدولوجيا.

(3)

الوطن العربى كان لديه قضية مركزية، تجمع أقطاره على اختلاف مشاربهم، وهى الصراع العربى - الإسرائيلى، الجميع كان لديه يقين بأن المشروع الصهيونى مضاد للمشروع العربى، وأن إسرائيل شوكة فى خاصرة الوطن العربى تركها الاستعمار القديم لتبقى جرحا لا يندمل. بعد اتفاقية كامب ديفيد بدأ هذا اليقين يتزحزح، وتقزم الصراع ليصبح: صراع فلسطينى- إسرائيلى. نجحت إسرائيل فى كسر الحصار المفروض عليها من دول الطوق بمعاهدة كامب ديفيد، التى عزلت مصر وفقدت بسببها مكانتها العربية والإقليمية، ومنذ ذلك الحين طُبقت استراتيجية فرق تسد وبعدها الفوضى الخلاقة، لتفكيك دول المقاومة وتدمير الجيوش الوطنية فى العراق وسوريا وتحويل دفة الإرهاب العالمى إلى منطقة الشرق الأوسط وإلباسه رداء الإسلام، وزرع الفتنة الطائفية والمذهبية.

(4)

نظرا للحروب الأهلية التى عصفت بدول عربية، لم تعد القضية الفلسطينية أولوية، سبقتها قضايا أخرى وجودية. الصراع لم يعد مركزا فى بؤرة واحدة بل امتد بطول الجسد العربى المترهل من الشرق إلى الغرب إلى الجنوب. ولم يعد المشروع الصهيونى مؤرقًا لكثير من الدول العربية، بقدر المشروع الإيرانى أو التركى.

وتحول الصراع من عربى- إسرائيلى إلى صراع عربى- عربى. وفى خضم مآسى المنطقة استطاعت إسرائيل أن تبتلع مزيدا من الأرض الفلسطينية يوما بعد يوم، تحت أعين العرب المشغولين بقتل بعضهم البعض، وازدادت قوة الدولة العبرية على حساب ضعف الدول العربية. إسرائيل التى كانت مستعدة للتفاوض والتنازل عن الأرض مقابل السلام لتطبيع علاقتها مع الدول العربية لم تعد بحاجة لذلك، فالتطبيع حدث دون أى تنازل من جانبها، وأصبحت هناك أحاديث عن مشاريع عربية كبرى تضم إسرائيل كشريك.

(5)

لا أحد عاقلًا على هذه الأرض يرفض السلام، لكن السلام الحقيقى والاستقرار لن يتحققا إلا بين أطراف متساوية أو متقاربة من حيث القوى والنفوذ، وبالنسبة للرخاء المزعوم، فمصر بعد كامب ديفيد لم يتحقق لها منه شىء. صفقة القرن التى يتحدثون عنها لن تعود بالخير إلا على إسرائيل التى تمتلك سلاحا نوويا وتفوقا عسكريا وعلميا، ولن تكون بلاد العرب سوى أسواق مفتوحة لمنتجاتها، ولن يصبح الأمر سلامًا بل استسلامًا لتفوق الدولة العبرية.

(6)

خلاصة القول: محاولة العرب التملص من القضية المركزية التى كانت تجمعهم، دون أن يكون لديهم قضية وهدف أسمى من حلم الرخاء المزعوم والثراء المادى هو أكبر خطر عليهم. أى أمة ليس لها قضية عادلة تعيش من أجلها وتدافع عنها تعيش فى ركود كالموتى؛ لأنها ببساطة ليس لديها ما تقدمه للحياة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحث عن قضية البحث عن قضية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon