توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البحث عن قضية

  مصر اليوم -

البحث عن قضية

بيروت - جاكلين عقيقي

(1)

منذ سنوات جمعتنى جلسة ودية مع الكاتبة سكينة فؤاد، فى شقتها بالمعادى، حيث تعيش بمفردها بعد وفاة الزوج وسفر الابنة وسألتها: كيف تتعاملين مع الوحدة؟ أجابت: «أنا عندى قضية أعيش من أجلها، فأنا مشغولة بمصر، ولو كنت أعيش لنفسى فقط لمت منذ سنوات»، جالت هذه العبارة فى خاطرى أثناء زيارتى إحدى قريباتى المسنات (85 سنة) والتى فقدت زوجها منذ سنوات وتعيش وحيدة فى شقتها حيث يتردد عليها الأبناء والأحفاد، كنت أهنئها بعيد ميلادها ولكنها باغتتنى قائلة: «مللت الحياة وأتمنى الموت، فلا أحد يحتاجنى ولا أريد أن أكون عالة على أحد».

حين تأملت حياة كثيرين حولى من مختلف الأعمار والطبقات، وجدت أن الدور والهدف يجعلان لحياة الإنسان معنى ويبقيانه محبًّا للحياة رغم تقلباتها. المسؤولية التى يحاول البعض التملص منها وكأنها أكياس رمل تعرقل سيره، هى التى ترسخ قدميه على الأرض وتوازن مسيرته، وهو ما قد يفسر اهتمام أثرياء حول العالم، من الذين يتمتعون بالفطنة، بالتبرع بجزء كبير من ثرواتهم وتأسيس جمعيات خيرية تساعد المحتاجين، فالحياة بدون دور أو هدف أسمى من مجرد وجودك البيولوجى لا تؤدى لاستمرار شغفك بالحياة وشعورك بجدواك فى هذا العالم الفانى.

(2)

ما ينطبق على الأشخاص ينطبق على المجتمعات والدول الكبرى المتقدمة، المنتبهة لدورها ومكانتها، حيث تسعى دومًا للبحث عن قضية تدافع عنها، وتصبح من القيم التى تؤسس لها داخليا وتصدرها وتروج لها بل تتخذها أحيانا ذريعة للتدخل فى شؤون دول أخرى وحثها على تطبيقها على اعتبار أنها حامية تلك القيم والمدافعة عن هذه القضية، على سبيل المثال الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان أصبحت قضية ذات أولوية لدى الغرب بعد انتهاء الحرب الباردة وعصر الأيدولوجيا.

(3)

الوطن العربى كان لديه قضية مركزية، تجمع أقطاره على اختلاف مشاربهم، وهى الصراع العربى - الإسرائيلى، الجميع كان لديه يقين بأن المشروع الصهيونى مضاد للمشروع العربى، وأن إسرائيل شوكة فى خاصرة الوطن العربى تركها الاستعمار القديم لتبقى جرحا لا يندمل. بعد اتفاقية كامب ديفيد بدأ هذا اليقين يتزحزح، وتقزم الصراع ليصبح: صراع فلسطينى- إسرائيلى. نجحت إسرائيل فى كسر الحصار المفروض عليها من دول الطوق بمعاهدة كامب ديفيد، التى عزلت مصر وفقدت بسببها مكانتها العربية والإقليمية، ومنذ ذلك الحين طُبقت استراتيجية فرق تسد وبعدها الفوضى الخلاقة، لتفكيك دول المقاومة وتدمير الجيوش الوطنية فى العراق وسوريا وتحويل دفة الإرهاب العالمى إلى منطقة الشرق الأوسط وإلباسه رداء الإسلام، وزرع الفتنة الطائفية والمذهبية.

(4)

نظرا للحروب الأهلية التى عصفت بدول عربية، لم تعد القضية الفلسطينية أولوية، سبقتها قضايا أخرى وجودية. الصراع لم يعد مركزا فى بؤرة واحدة بل امتد بطول الجسد العربى المترهل من الشرق إلى الغرب إلى الجنوب. ولم يعد المشروع الصهيونى مؤرقًا لكثير من الدول العربية، بقدر المشروع الإيرانى أو التركى.

وتحول الصراع من عربى- إسرائيلى إلى صراع عربى- عربى. وفى خضم مآسى المنطقة استطاعت إسرائيل أن تبتلع مزيدا من الأرض الفلسطينية يوما بعد يوم، تحت أعين العرب المشغولين بقتل بعضهم البعض، وازدادت قوة الدولة العبرية على حساب ضعف الدول العربية. إسرائيل التى كانت مستعدة للتفاوض والتنازل عن الأرض مقابل السلام لتطبيع علاقتها مع الدول العربية لم تعد بحاجة لذلك، فالتطبيع حدث دون أى تنازل من جانبها، وأصبحت هناك أحاديث عن مشاريع عربية كبرى تضم إسرائيل كشريك.

(5)

لا أحد عاقلًا على هذه الأرض يرفض السلام، لكن السلام الحقيقى والاستقرار لن يتحققا إلا بين أطراف متساوية أو متقاربة من حيث القوى والنفوذ، وبالنسبة للرخاء المزعوم، فمصر بعد كامب ديفيد لم يتحقق لها منه شىء. صفقة القرن التى يتحدثون عنها لن تعود بالخير إلا على إسرائيل التى تمتلك سلاحا نوويا وتفوقا عسكريا وعلميا، ولن تكون بلاد العرب سوى أسواق مفتوحة لمنتجاتها، ولن يصبح الأمر سلامًا بل استسلامًا لتفوق الدولة العبرية.

(6)

خلاصة القول: محاولة العرب التملص من القضية المركزية التى كانت تجمعهم، دون أن يكون لديهم قضية وهدف أسمى من حلم الرخاء المزعوم والثراء المادى هو أكبر خطر عليهم. أى أمة ليس لها قضية عادلة تعيش من أجلها وتدافع عنها تعيش فى ركود كالموتى؛ لأنها ببساطة ليس لديها ما تقدمه للحياة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحث عن قضية البحث عن قضية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon