بقلم : مي عزام
(1)
لا شىء يدوم، لا الصداقات دائمة ولا وعود الحب ولا مفاوضات السلام ولا إعلان الحرب ولا حتى اتفاقيات تبادل المصالح. بين ليلة وضحاها تتغير الأمور بمستجدات تربك من يتصور أنه يملك كل خيوط اللعبة ويقبض على زمام الأمور. في الربع الأخير من عام 2015، هزت صورة الطفل «آلان» ضمير العالم، الطفل السورى من أصل كردى المنكفئ على وجهه غريقا على أحد الشواطئ التركية، مس القلوب وأظهر بشاعة الحرب السورية وسوء حال اللاجئين السوريين. حينذاك كانت الرهانات والآمال معقودة من أطراف إقليمية ودولية على سقوط نظام الأسد قبل أن يغير تدخل روسيا المعادلة. ملايين السوريين زحفوا نحو تركيا طرقًا لأبواب أوروبا، كان المشهد معقدا ومربكا ومؤثرا وكان لا بد من تدخل سريع من الجانب الأوروبى حتى لا يغرقها طوفان اللاجئين. مع بداية عام 2016، توصلت تركيا والاتحاد الأوروبى إلى اتفاق ينص على قيام تركيا باستقبال المهاجرين الواصلين إلى جزر يونانية ممن تأكد انطلاقهم من تركيا، وإيواء كل سورى أعيد من أوروبا في مخيمات تركية، وفى مقابل ذلك تعهد الاتحاد الأوروبى بدفع 6 مليارات يورو على دفعتين لتركيا التي تؤوى الآن ما يقرب من 4 ملايين لاجئ منهم 3.7 مليون سورى. وفق تصريحات أردوغان فإن بلاده لم تحصل على كامل المبلغ في حين صرحت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبى «ناتاشا بيرتود»، بأنه جرى تقديم الـ6 مِليارات دولار إلى تركيا تنفيذًا لما تم التوصل إليه، لكن الأمر فيما يبدو لم يعد متوقفًا على أموال الاتحاد الاوروبى لكن المطلوب دعم عسكرى من الناتو في معركة إدلب ولا يمكن للناتو التدخل إلا في حال تعرض أحد أعضائه إلى اعتداء مباشر على أراضيه وهو ما لا ينطبق على ما يحدث في إدلب السورية.
(2)
مؤخرًا هدد أردوغان الاتحاد الأوروبى بفتح الطريق من تركيا إلى أوروبا أمام اللاجئين السوريين حال عدم تدخل دول أوروبا لوقف هجوم القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا في إدلب والتى سقط على إثرها عشرات الجنود الأتراك ما بين قتيل وجريح، وبالفعل توافد الآف من اللاجئين السوريين على الحدود مع اليونان رغبة في الوصول إلى أوروبا، بحافلات مجانية وفرتها لهم السلطات التركية. وهناك استياء أوروبى عام من استخدام أردوغان «السوريين كسلاح في وجه أوروبا».
العجز الأوروبى بات واضحا في الأزمة السورية، وخاصة بعد خروج القوات الأمريكية من سوريا. الإعلان عن قمة رباعية تضم ميركل وماكرون مع أردوغان وبوتين لللتفاوض حول إدلب انتهى برفض من بوتين، الرسالة المشتركة التي وجهها 14 وزيرًا أوروبيًّا للخارجية (من بينهم ألمانيا وفرنسا) يوم 28 فبراير الماضى مطالبين الحكومة السورية وروسيا بوقف إطلاق النار في منطقة إدلب والعودة إلى شروط اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 2018، لم تجد صدى أو تأثيرا، وما يفاقم من حرج الموقف الأوروبى، أزمة وصول آلاف اللاجئين من تركيا إلى أبواب أوروبا.
(3)
أردوغان يبحث الآن عن دعم الناتو ويطلب من أمريكا صواريخ باتريوت المضادة للطائرات لاستخدامها لصد الهجمات الجوية السورية في إدلب المدعومة من روسيا، رغم رفضه السابق تحذيرات الناتو وانتقادات أمريكا بشأن شراء منظومة الدفاع الروسية إس-400 والتى كانت أحد أسباب التوتر بين تركيا والناتو. التصريحات الأمريكية والأوروبية المتعاطفة مع تركيا لم تعد تجدى نفعًا، فهل وقع الخليفة في فخ نصبه له القيصر بدهاء وصبر؟ هل ضلله بتسامحه المزيف مع إسقاط تركيا طائرة حربية روسية من طراز سوخوى مطلع عام 2015، رغبة منه في استمالته وإبعاده عن تحالفه الاستراتيجى مع الناتو وتشجيعه على شراء منظومة الدفاع الروسية إس-400 بتسهيلات ومزايا؟!.
مؤخرا هدد أحد مستشارى أردوغان روسيا في لقاء تليفزيونى، قائلا إن بلاده قادرة على استئصال الوجود الروسى من سوريا، لكن رسميا يسعى أردوغان للقاء بوتين ويأمل أن يتمكن الأخير من اتخاذ التدابير الضرورية لوقف لإطلاق النار في سوريا وأن يجد حلاً لهذه المسألة. لم يعد أمام أردوغان إلا روسيا ليطلب منها التدخل لوقف نزيف خسائره في سوريا.
أردوغان خانه غروره، لم يعد يطبق سياسة صفر مشاكل بل أصبح صانع مشاكل، تتراكم أخطاؤه مع حلفائه السابقين والحاليين، من سوريا شرقًا إلى ليبيا غربًا.