بقلم : مي عزام
تنتابنى حيرة كلما جلست لكتابة مقالى الأسبوعى، الموضوعات التى أريد أن أدلو بدلوى فيها كثيرة والاختيار بينها معضلة ومساحة المقال محدودة. الاختيار بين عدد قليل من البدائل يريح عكس الاختيار بين بدائل كثيرة، فعقلك غير مدرب على هذا التشوش، وعادة ما يتجه نحو الاختيار الجمعى بأسلوب التقليد والمحاكاة، ويختار ما يجده رائجًا فى محيطه. ولو طبقنا ذلك المعيار سيكون الحديث عن كورونا هو محل الاختيار، فهو حديث الناس، وخاصة بعد السلالة الجديدة سريعة الانتشار والتى لم تترك عائلة دون أن تصيب أحد أفرادها أو معارفها المقربين، لكنى سئمت الحديث عن كورونا فأنا أشعر أنى أصبحت رهينة هذا الفيروس المتسلط البارع فى التخفى والتغلغل فى أجسادنا، ولذا أريد الهرب منه إلى آفاق أخرى حيث الخيال والأمنيات، وهو ما يتحقق فى عالم السينما.
(2)
شاهدت هذا الأسبوع فيلمين إنتاج أمريكى حديث، الأول «Wonder Woman 1984» والثانى «SOUL»، الأول عن سلسلة كومكس عن امرأة ذات قدرات سوبر وهو يماثل شخصيات الأبطال الخارقين عند «مارفل»، وأفلام السوبر هيرو تجد رواجًا كبيرًا بين المشاهدين وخاصة مع التقدم التقنى المذهل فى عالم المؤثرات الخاصة، والثانى فيلم رسوم متحركة. الفيلمان يتحدثان عن الأمنيات لكن بمفهوم ورؤية مختلفة، الأول يدور حول ثمن الأمنيات التى يحققها حجر أزلى لكل من يلمسه وفى المقابل ينزع عنه نقطة قوته. الفيلم لم يعجبنى فهو غير متماسك فى طرحه، لكن استوقفتنى فكرة ثمن الأمنيات، حين تتعلق بمفهوم الشخص حول السعادة والنجاح والتفوق والمنافسة نتيجة عدم رضائه عن واقعه، أمنيات لا يجتهد المرء للحصول عليها ولكن يستعين بقوة غامضة تعمل ضد سنة الكون وينتهى الأمر بالتدمير الذاتى والخراب الجماعى.
أما فيلم «سول » أو الروح، فيتحدث عن الأمنيات الممكنة المرتبطة بشغف الإنسان فى مجال معين، فبطل الفيلم موسيقى، يعشق موسيقى «الجاز» ويعزف على البيانو، أمنيته أن ينضم إلى فرقة موسيقية ذائعة الصيت ليتحقق له النجاح والشهرة، ولقد مضى به العمر دون أن يحقق حلمه وكاد يقبل وظيفة مدرس موسيقى بدوام كلى فى مدرسة صغيرة، راتبها يؤمِّن له دفع فواتيره الشهرية مع ميزة التأمين الصحى والمعاش التقاعدى، وهو ما كانت أمه تحثه على قبوله. لكن فى نفس اليوم يعرض عليه بالصدفة، الانضمام إلى فرقة شهيرة، كاد يغشى عليه من السعادة وفى طريقه إلى منزله يقع فى حفرة ويكاد يلفظ روحه. يستعيد وعيه على جسر الأموات الذاهبين إلى الحياة الأخرى، لكنه يرفض فكرة الموت دون أن يحقق حلمه وينجح فى الهرب إلى منطقة افتراضية يتم فيها إعداد الأرواح الجديدة لحياتها على الأرض، ويصبح دوره تأهيل روح شاردة للنزول على الأرض، ولم يجد أى مرشد سابق طريقة ليحمسها على ذلك بسبب عدم شغفها بأمر ما.
تحدث أمور كثيرة بين بطلنا والروح الشاردة، وحين يهبطان على الأرض تعيش هذه الروح فى جسده ويعيش هو فى جسد قطة، مفارقات كثيرة تحدث، يدرك بعدها بطلنا أن أهدافك التى تضعها لنفسك ليست هدف الحياة، لكن الحياة نفسها هى الهدف، وعليك أن تعيشها بكل تفاصيلها الصغيرة، وأن نعرف كيف نتذوق الملذات الصغيرة التى فقدنا شعورنا بها من فرط اعتيادنا عليها. واستوقفنى حوار بين صاحبة الفرقة الموسيقية الشهيرة وبطلنا الموسيقى الذى حقق حلمه بالعزف معها حين طلبت منه الحضور غدًا ليعزف من جديد مع الفرقة، وقال لها: «كنت أتخيل أننى سأشعر بمشاعر مختلفة حين يتحقق حلمى الذى سعيت إليه طيلة حياتى ولكن ذلك لم يحدث»، فأجابته قائلة: «أنت تذكرنى بسمكة صغيرة سألت سمكة كبيرة عن الطريق إلى المحيط فهى تسعى طوال حياتها للوصول إليه وحين أجابتها السمكة الكبيرة أنها بالفعل فى المحيط قالت الصغيرة بدهشة: هذا هو المحيط!! عجبًا إنه مجرد مياه»، أى أمنية أو حلم حين نصل إليه يصبح عاديًّا.
(3)
جميل أن يكون لك حلم أو أمنية تسعى لتحقيقها، ولكن لا تجعلها هدفك من الحياة وتربط سعادتك بتحقيقها.. الحياة نفسها هى الهدف، وعلينا أن نمتن ونسعد بالنعم التى تحيط بنا والتى فقدنا إحساسنا بقيمتها لاعتيادنا عليها.