توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن النجاح والفشل.. بين الأفراد والدول

  مصر اليوم -

عن النجاح والفشل بين الأفراد والدول

بقلم : مي عزام

(1)

أسرة مثالية وناجحة بكل المقاييس، زوجة جميلة وثرية وناجحة فى عملها كطبيبة نفسية لها عيادتها الخاصة، وزوجها طبيب ناجح فى علاج سرطان الأطفال، والابن صحيح البدن والخلق ينتسب لأغلى وأرقى مدرسة خاصة فى نيويورك، والد الزوجة فاحش الثراء شديد التعلق بابنته وحفيده الوحيد. تبدو الأسرة سعيدة، تعيش فى دعة وترف، وينطبق عليها مقولة «ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، هذه الأسرة هى محور أحداث المسلسل الأمريكى:

الخراب، التراجع أو الانهيار The Undoing

من بطولة النجمة الأسترالية «نيكول كيدمان»، والنجم الإنجليزى «هيو جرانت»، جسدت كيدمان دور الزوجة «جريس» التى تسيطر على مشاعرها مرتدية قناع البرود، كما أجاد جرانت فى دور الزوج «جوناثان» المحب والأب الودود، ما يبدو على السطح متماسكا وقويا ينهار بالتدريج، بعد مقتل الشابة الجميلة «إيلينا»، والتى كانت على علاقة عشق مع «جوناثان» الذى أصبح المتهم الأول فى القضية. القشرة البراقة خدشت ليظهر من تحتها التقيح المزمن، نكتشف أن الزوج اعتاد خيانة زوجته، وأن والدها كان خائنا لأمها الراحلة التى كانت تعانى فى صمت من أجل ابنتها الوحيدة، ولم يكونا يوما نموذجا للأسرة السعيدة كما كانت تظن «جريس»، نعرف أن ابنها الوحيد تواطأ مع أبيه، فلقد شاهده مع عشيقته والتزم الصمت ولم يبلغ والدته، حبا فى أبيه ورغبة منه ألا يسبب له ضررا، منظومة النجاح والسعادة التى كانت ترفل فيها الأسرة الأمريكية المترفة لم تكن سوى غطاء لفشل كبير، مع نهاية المسلسل ذى الحبكة الرائعة، أنصح القراء بمشاهدته، تستعيد جريس حياتها من جديد، ولكن هذه المرة نجاحها فى إنقاذ ابنها كان وفق معايير تتناسب مع قيمها الأخلاقية وقناعتها الذاتية وليس وفق إملاءات خارجية.

(2)

اليابان هى الدولة الأعلى مديونية فى العالم، ديونها تقترب من 240% من ناتجها المحلى، وهى بذلك تسبق اليونان والسودان ولبنان، ولكن هل يمكن أن نقارن اقتصادها القوى باقتصاد هذه الدول؟، إذن كيف استطاعت اليابان أن تحافظ على مركزها المتقدم اقتصاديا وهى تعانى فى نفس الوقت من أحد معايير الفشل الاقتصادى، وهو ارتفاع الدين العام؟ يرجع ذلك إلى أن 90% من ديون اليابان مملوكة لليابانيين وبالعملة المحلية، كما تمكنت اليابان من الحفاظ على فوائد السندات الحكومية المصدرة منخفضة للغاية، وكذلك الحفاظ على ثقة المستثمرين فى أنها لن تتخلف عن السداد، نتيجة الاحتياطى النقدى الضخم بالدولار. الحكومات اليابانية المتعاقبة فضلت خيار الدين عن فرض المزيد من الضرائب وخفض الإنفاق العام خوفا من المزيد من الانكماش والذى يعانى منه الاقتصاد اليابانى منذ سنوات. استطاعت اليابان، بفضل حسن إدارة حكوماتها وثقة المواطنين فيها وشعورهم بالمسؤولية تجاه بلدهم، أن تصنع لنفسها معيارا للنجاح الاقتصادى يخالف معايير صندوق النقد الدولى.

(3)

دول عدة تعتبر إسرائيل الدولة الأكثر نجاحا فى الشرق الأوسط، من حيث معايير القوة العسكرية والتفوق العلمى والتقنى، فى الواقع النجاح الإسرائيلى قائم على احتلال أراضى الغير والاستيلاء على حقوق الشعب الفلسطينى، وهى نفس معايير نجاح الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية السابقة: البريطانية والفرنسية والإسبانية وغيرها، نتيجة تفوق هذه الدول عسكريا، أعطت لنفسها الحق فى نهب ثروات المستعمرات وإفقار شعوبها وإذلالهم، وبعد تحرر المستعمرات وخروج المستعمر وجدت هذه الدول نفسها فى مأزق اقتصادى حقيقى، فهى غير قادرة على المنافسة الحقيقية بدون استغلال أو امتيازات. ولذا مازال الغرب يعمل بطريقة غير مباشرة، وفق المنظومة القديمة وعمادها استغلال دول العالم الثالث ونهب ثرواتها بتخريب هذه الدول بالحروب الأهلية والفتن وتمكين الفاسدين من حكم هذه البلاد ليكونوا دائما تحت سيطرة أولى أمرهم فى الغرب وطوع بنانهم، وأقرب مثال على ذلك ما حدث فى ليبيا الشقيقة ويحدث الآن فى موزمبيق بعد اكتشاف مخزون ضخم من الياقوت وحقول غاز عملاقة.

(4)

معايير النجاح التى يحاول الغرب تصديرها للعالم، ويسير عليها الأفراد والدول دون تفكير وتساؤل حول توافقها مع هوية كل شعب وقيم كل دولة، هى معايير خادعة ومضللة، والأفضل أن يضع كل دولة وشعب معايير نجاح تتوافق مع هويته وقيمه وعاداته حتى يكون تقييمه لحاله وأحواله واقعيا وليس مجرد تقليد أعمى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن النجاح والفشل بين الأفراد والدول عن النجاح والفشل بين الأفراد والدول



GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 08:18 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 08:15 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon