توقيت القاهرة المحلي 05:25:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذاكرة الشعوب وميراث الغضب

  مصر اليوم -

ذاكرة الشعوب وميراث الغضب

بقلم : مي عزام

(1)

الحواس الخمس معروفة: السمع والبصر والشم والتذوق واللمس وكلها محدود بأفق، يتشارك معنا فيها كائنات لا سبيل لحصرها، بل قد يتميز بعضها عنا فى بعضها، لكن هناك هبة خص الله بها بنى آدم دون غيره من الكائنات وهى: الخيال... الذى يتعدى حدود الزمان والمكان.. يستدعى كل حواسك دون أى عوائق أو حدود، والخيال مرتبط بالذاكرة، وهى التى تحمل شفرة كينونتك وهويتك وبدونها تصبح صفحة بيضاء بلا ملامح، لا ماضٍ ولا مستقبل، وهو ما يحدث مع مرضى الزهايمر.

(2)

المجتمعات الإنسانية فى مراحل تطورها، اخترعت أدوات لتحسين الحياة، وأسلحة تدافع بها عن نفسها، هذه الأدوات كانت اختراعات مذهلة فى حينها، ميزت من امتلكها، وحققت له تفوقا على الآخرين، وأصبح صاحب حضارة مستحقا للسيادة. الآف السنين مرت على الإنسانية، تطورت فيها الحضارة الإنسانية بفضل العلم والخيال والإبداع ولكن ذاكرته ما زالت تحمل شفرة المجتمعات البدائية الأولى. الدول العظمى ما زالت تعيش بخيال وذاكرة الأسلاف، مستخدمة قوتها الغاشمة والاختراعات العلمية الحديثة لإخضاع المجتمعات الأقل قوة وتحضرا، تتعامل معها باستعلاء، تهينها وتستبيح ثرواتها وتنتهك حقوقها، وتتناسى أن التفوق الحضارى ليس ميراثا أو احتكارا لكن استحقاقا يذهب لمن يمتلك أدواته وقيمه وهذا يتغير بين حين وآخر على مدار التاريخ.

(3)

الذاكرة حاضرة عند المنتصر والمهزوم، الصراعات الجديدة تجر ذيول الخيبة، الماضى يجلس معنا على طاولة الطعام والمفاوضات، على سبيل المثال لا الحصر: الصين، كوريا الجنوبية واليابان، من أهم اقتصاديات دول الشرق الأقصى ولها علاقات متشابكة ومعقدة، فمازالت الصين وكوريا تحملان مشاعر سلبية تجاه اليابان، بسبب غزو الجيش اليابانى للبلدين والوحشية التى رافقت الاحتلال، وثقت السينما الصينية والكورية هذا، فى العديد من الأفلام الحديثة أتذكر منها:

The Flowers of War(2011)

The Battleship Island (2017)

السينما الصينية والكورية حرصت على أن تبقى ذاكرة الألم حية حتى لا تنسى الأجيال الجديدة جرائم الجنود اليابانيين فى حق بلادهم والمذلة التى صاحبت ذلك. العلاقة التى تبدو استراتيجية ومتينة بين اليابان والولايات المتحدة، تخفى تحتها شرارة القومية اليابانية الجريحة، الغبار النووى واستسلام الإمبراطور ما زالا عالقين فى ذاكرة شعب الساموراى، العلاقة المتوترة بين الصين وأمريكا ليست نتاج التنافس الاقتصادى فقط، الصين لم تشف من حرب الأفيون، التوتر التركى- اليونانى، ليس وليد الصراع على غاز شرق المتوسط، لكنه يعود لعصر محمد الفاتح وسقوط القسطنطينية ومعاهدة لوزان وانتهاء الإمبراطورية العثمانية، العلاقات الروسية الغربية تتعثر فوق أحجار سور برلين وسقوط الاتحاد السوفيتى، الصراعات والخلافات الآنية تحمل فى أحشائها بذور عفن الماضى وآثامه، رغم أن كل الدول التى ذكرتها، تجاوزت هزائمها وانتصب قامتها بعد الانكسار، وتنافس بقوة على المسرح الإقليمى والدولى.

(4)

هل هذا معناه أنه لا أمل فى تعافى الشعوب من آثار الحروب والصراعات القديمة؟ وهل مكتوب على الشعوب أن تظل سجينة ذكرياتها الحزينة وخيالها العابر للأزمنة؟، بالطبع لا، وهذا يختلف من شعب لآخر، هناك شعوب تستسلم للهزيمة الحضارية وتحاول التأقلم معها وتتماهى مع المنتصر وتتنازل عن هويتها لتحتمى بهويته، وهناك شعوب ترفض الهزيمة وتبعث من الرماد كطائر العنقاء، وهؤلاء يبحثون عن صيغة جديدة تشفى ندوب الماضى وجراحه.

(5)

أعتقد أن العلاج الشافى، هو التوصل إلى اتفاقيات تحترم الحقوق المغتصبة لتحقيق سلام حقيقى، وهذا لن يتحقق إلا بعد أن يقدم المعتدى اعتذارا مشفوعا بأفعال تؤكد عزمه على عدم تكرار أفعاله، كما فعلت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حين اعتذرت لضحايا النازية وقدمت تعويضات ضخمة وغيرت مناهج التعليم. وهذا يطبق مع الكيان الصهيونى، لو أراد سلاما وتطبيعا مع العرب، عليه أن يقدم اعتذارا عما بدر منه فى حق الشعوب العربية وفى مقدمتها الشعب الفلسطينى، وتأسيس دولة فلسطين على حدود ما قبل 67 والاعتراف بحق العودة غير ذلك هراء. أقول لمن يريد أن يمحو الذاكرة العربية، ويغتصب حلم البعث والتحرر، لو نجحتم لن تحصلوا إلا على مرضى زهايمر لا نفع منهم ولا رجاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذاكرة الشعوب وميراث الغضب ذاكرة الشعوب وميراث الغضب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon