بقلم : مي عزام
(1)
Global Discontents: Conversations on the Rising Threats to Democracy
كتاب للمفكر الأمريكى نعوم تشومسكى صدر فى ديسمبر 2017، عبارة عن اثنتى عشرة مقابلة أجراها معه الإعلامى الأمريكى «دﻳﭭيد بارساميان»، حول آخر التطورات فى جميع أنحاء العالم، أدان فيه «تشومسكى» النظام الديمقراطى فى بلاده قائلا: «النظام الأمريكى لا يقوم على ديمقراطية الحزبين: الديمقراطى والجمهورى، لكنه مجرد نظام من حزب واحد منقسم إلى فصيلين»، وأطلق عليه حزب البيزنس، بمعنى حزب مصالح رجال التجارة والأعمال، ويقارن بين بلده وإيران: «أجرت إيران انتخابات، وانتقدها الناس، ولهم حق، لأنك لا تستطيع حتى الدخول إلى النظام السياسى الإيرانى ما لم يتم فحصك والموافقة عليك من قبل المرشد ورجال الدين. هذا رهيب بالطبع لكن ما الذى يحدث فى أمريكا؟ أنت لا يمكنك أيضا الدخول إلى النظام السياسى ما لم يتم فحصك من جانب رأس المال الخاص. إذا لم تتمكن من جمع الملايين من الدولارات، فسوف تخرج، هل هذا أفضل؟!!».
(2)
الأمريكى جون ديوى واحد من أهم فلاسفة القرن العشرين، تنبأ بأن «الديمقراطية ستصبح ذات محتوى هزيل عندما يتحكم كبار رجال الأعمال فى حياة البلاد عن طريق سيطرتهم على وسائل الإنتاج والبنوك والدعاية والمواصلات والاتصالات، والتحكم بالصحافة والإعلام والإعلان والدعاية». ويمكن أن نضيف الآن مواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت ذات تأثير كبير على الرأى العام.
(3)
نظم القانون الأمريكى منذ عقود طرق تمويل الانتخابات ووضع ضوابط لكيفية مراقبة إنفاق أموال التبرعات الانتخابية، إلا أن تغيرا مهما طرأ على ذلك بصدور حكم قضائى من المحكمة العليا فى يناير عام 2010 يمنح «السوبر باكس» (اللجان العليا للعمل السياسى) الحق فى جمع الأموال بكميات غير محدودة من شركات ونقابات وجمعيات وأفراد لإعادة توزيعها على المرشح الذى يؤيدونه.
تعاظم دور «السوبر باكس» مع ارتفاع تكلفة الحملات الانتخابية للمرشحين للرئاسة، مما أدى لحدوث انقسام فى الأوساط الأمريكية بين مؤيد ومعارض لعملها، النشطاء من جماعات «احتلوا وول ستريت»، الذين يحاربون الرأسمالية المستغلة، يعارضون ذلك بشدة ويرون أن المبالغ الضخمة من المال السياسى، التى تُنفق فى الانتخابات، تجعل أجندة المرشحين بعيدة كل البعد عن مصلحة الناخب الأمريكى العادى، وتحول الديمقراطية لنظام حكم يعبر عن مطالب ومصالح الأغنياء فقط، فى حين يرى المؤيدون أن الدعم المالى لمرشح أو قضية من اختيارهم هى شكل من أشكال حرية التعبير التى ينص عليها الدستور الأمريكى.
(4)
العالم يعيش أزمة حقيقية بالنسبة لمفاهيم الحكم الرشيد فى جميع أنحاء العالم، وأعتقد أن الأمر لن يستقر قبل الاستقرار على نظام عالمى جديد له مفاهيم واضحة ومبادئ وقيم أخلاقية يتم اعتمادها كقيم دولية على الجميع احترامها والالتزام بها.
أزمة الحكم فى الغرب الداعم للديمقراطية، تجلت فى انتخاب ترامب وانتصار اليمين الشعبوى فى عدد من الدول الأوروبية، وهو ما جعل عددا من المفكرين والباحثين فى الغرب يطرحون فكرة إلغاء الانتخابات، ويعتقدون أنها يمكن أن تعيد الديمقراطية إلى مسارها الصحيح، على أن يتم اختيار نواب الشعب (فى البرلمان والمجالس البلدية وغيرها) بطريقة الاختيار العشوائى من بين جميع فئات الشعب، مثلما يحدث فى أمريكا عند اختيار المحلفين، ويجدون أن هذه الطريقة الوحيدة للقضاء على فساد الحكم والنخب السياسية وتأثير جماعات الضغط التى تعمل من وراء الستار، وأن نواب الشعب فى هذه الحالة سيطرحون مشاكل الفئات التى يمثلونها ويجبرون الحكومات على إيجاد حلول لهذه المشاكل، ولن يكونوا مدينين لأحد، فليس لديهم فواتير باهظة واجبة السداد.
لكن هل يسمح أصحاب المال والنفوذ والسلطة ومؤسسات الدولة العميقة بذلك، أم أن الأمر يحتاج لربيع عالمى تثور فيه الشعوب لاسترداد حقها فى الاختيار وممارسة الديمقراطية بدون التأثير عليها من قبل أصحاب السلطة والمال والنفوذ؟