توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كورونا.. ماذا بعد؟

  مصر اليوم -

كورونا ماذا بعد

بقلم : مي عزام


(1)

حالة فزع وهلع عالمية من فيروس كورونا، كائن متناهى الصغر لكن تأثيره مزلزل، لماذا؟ لأننا لا نعرف متى وكيف يتسلل إلينا، فربما يصلك من أقرب المقربين إليك. هذا الفيروس الطفيلى يكسر كل دوائر الطمأنينة الإنسانية، إنه المجهول الذي يرافقه المرض والموت. هذا الضيف غير المرحب به أوقف مسيرة الحياة المعتادة في أكثر بلدان العالم تقدما وثراء، متحديا فلسفة العولمة وحرية التنقل، واستطاع تغيير التوقعات الاقتصادية وبدلا من التنبؤ بأرقام الأرباح المتوقعة في القطاعات الاقتصادية المختلفة للربع الأول من العام، يتم الآن تقدير الخسائر الفادحة المحتملة، أرقام النمو الاقتصادى التي يتشدق بها الاقتصاديون ويحكمون بها على نجاح دول وفشل أخرى، تبين أنها واهنة مثل بيت العنكبوت، متغير صغير غير متوقع قلب كل الموازين ووقف الجميع أمامه عاجزين.

(2)

لو كنت مثلى من المؤمنين بالله، أو كنت ملحدا لكنك مقتنع بأن للطبيعة إرادة وقوانين تعاقب من يخرقها، فستقف أمام أزمة «كورونا» باعتبارها محطة للتأمل ومراجعة ما يحدث على كوكبنا من خرق لقوانين الطبيعة وسنن الكون وسيمر في ذهنك سؤال: هل وباء «كورونا» اختبار للسلوك الإنسانى؟ هل هي رسالة من الله بأن ما وصلنا إليه من علم يمكن لمخلوق متناهى الصغر أن يربكه وأن الغرور الإنسانى يمكن أن يؤدى بنا إلى الجحيم؟.

عالمنا يشهد تطورا علميا مذهلا لكن للأسف لا يواكبه تطور في القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية التي تحكم النظام العالمى. العلم أداة يمكن أن تستخدم في تحرير شعوب كوكب الأرض كافة من الجوع والفاقة، كما يمكن أن يستخدم العلم في زيادة معاناة الدول الفقيرة واستغلال مواردها الطبيعية لصالح الأقوياء الأكثر علمًا وثراء، فيزداد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا، وهو ما تحدث عنه العالم التشيكى الكندى «فكلاف سميل» في كتابه: «النمو: من الكائنات الحية الدقيقة إلى المدن الكبرى»، و«سميل» يربط في مؤلفاته بين العلم والتاريخ والحضارة والطبائع الإنسانية، وينتهى إلى آراء تختلف عن الكثير من الأطروحات المقدمة كحقائق، مثلا: ما يروج عن أن موارد الأرض لن تسد الزيادة المتوقعة في عدد السكان، خاصة في إفريقيا، يرد «سميل» بأن الحل ليس في خفض معدلات النمو السكانى ولكن معدلات استهلاك الطاقة والموارد إلى النصف في الدول المتقدمة الغنية، وهذا سيعيدها إلى مستوى ستينيات وسبعينات القرن الماضى ولم تكن الحياة حينها سيئة لكن لم يكن هناك هذا اللهاث على الاستهلاك. والمؤلف يتحدث عن ضرورة التوقف عن النمو في الدول التي تحقق نموا كافيا لخلق استقرار من حيث الوفيات والتغذية والتعليم، بدلاً من الدفع حتى يصبح النمو سرطانيًا ومدمّرًا بيئيًا. وهنا يستشهد بتعريف عالم الاقتصاد والفيلسوف الأمريكى الراحل «كينيث بولدينج» عن «اقتصاد رعاة البقر» و«اقتصاد رائد فضاء»، الأول هو فرص لا نهاية لها لاستهلاك الموارد، والثانى هو اعتراف بأن كوكب الأرض يشبه إلى حد كبير سفينة فضائية مغلقة نحتاج إلى إدارة مواردنا فيها بعناية.

يكمن التحدى، على حد قول «سميل»، في التحول من طريقة تفكير إلى أخرى، من يظن أن ما يتم تطبيقه في مكان يصلح للجميع مخطئ تمامًا، فمثلا ما تحتاجه نيجيريا هو المزيد من الغذاء والنمو، أما كندا والسويد فتحتاجان أقل من ذلك. في بعض الأماكن علينا أن نعزز ما يسميه الاقتصاديون تراجع النمو وفى أماكن أخرى علينا تعزيز النمو.. فكر مختلف لعالم أفضل.

(3)

أزمة كورونا أظهرت أن العالم عليه أن يفكر بطريقة مختلفة فيما يخص النمو الاقتصادى والحروب العسكرية والتجارية والصراعات الطائفية والتى يقف خلفها محاولات السيادة والهيمنة والتميز، وتقوم بها دول كبرى حتى تظل شعوبها أفضل حالًا من الشعوب الأخرى. «كورونا» أثبت أنه فيروس عادل للغاية، لا يفرق بين غنى وفقير ولا وزير وخفير ولا دولة متقدمة غنية وأخرى متخلفة فقيرة. العالم في هذه اللحظة هدفه الوحيد حفظ الحياة الإنسانية، فحق الحياة للجميع هو الأولى بالرعاية الآن، فهل نتذكر ذلك بعد زوال غمار المعركة مع كورونا؟ أم نعود لسيرتنا السابقة ويذهب بنا الطمع الإنسانى وشراهة الاستهلاك إلى كارثة متوقعة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كورونا ماذا بعد كورونا ماذا بعد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon