بقلم : مي عزام
(1)
ونحن نتحدث عن الاستحقاقات الانتخابية القادمة للبرلمان بغرفتيه، يغيب عنا أحيانا فلسفة تأسيس هذا الكيان الجامع لمختلف فئات الشعب. فكرة تأسيس «برلمان» ظهرت في أوروبا إثر تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة، دعم دوره ظهور طبقة وسطى مؤثرة في الغرب بعد الثورة الصناعية، في تلك المرحلة كان الدافع الرئيسى وراء تأسيس «برلمان» تمثيل تلك الفئات والقوى الناشئة، بما يسمح لها بالتأثير في الحياة السياسية. ومع انتشار أفكار المواطنة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، أصبح دور البرلمان تمثيل الشعب بكل أطيافه والقوى المؤثرة فيه، ومن هنا جاء حقه في تشريع القوانين والرقابة على السلطة التنفيذية. ومع انتشار فكرة الحرية السياسية وظهور الأحزاب وتعددها، أصبح البرلمان ساحة تتنافس فيها الأحزاب، حيث يدافع كل منها عن سياسته، ويسعى كل منها للحصول على أصوات الأغلبية من الناخبين لتشكيل الحكومة وتنفيذ برنامجه.
(2)
مصر بدأت فيها إرهاصات الحياة النيابية، عندما أنشأ محمد على عام 1829 مجلساً للشورى يتكون من كبار التجار والأعيان والعمد والمشايخ والعلماء، لكنه تعطل بعد وفاته، حتى أسس الخديو إسماعيل مجلس شورى النواب عام 1866 المكون من 75 نائبا ينتخبهم الشعب من طبقة كبار ملاك الأراضى الزراعية كل 3 سنوات، استمر هذا المجلس حتى الاحتلال البريطانى لمصر. تعثرت الحياة النيابية في مصر حتى صدور دستور 1923 الذي نتج عنه أول مجلس نيابى حقيقى له سلطة مساءلة الحكومة وسحب الثقة منها، تعرض عليه القوانين والتشريعات ويصوت عليها بالرفض أوالقبول.
(3)
الحياة النيابية في مصر قبل ثورة 52، تعرضت لعثرات وشابها قصور نتيجة تقاطع المسارات وتضارب المصالح بين القصر ورئيس الوزراء المعين من الملك والمندوب السامى البريطانى وزعماء الأحزاب. كانت هناك أخطاء في الممارسة الحزبية يمكن إصلاحها مع الوقت، لكن ثورة يوليو حلت الأحزاب رغم أن «إقامة حياة ديمقراطية سليمة» كانت من بين المبادئ الأساسية للثورة.
«مجلس الأمة» المنعقد في يوليو عام 1957، كان أول برلمان بعد الثورة، كانت هناك عدة قوى تؤثر على الحياة السياسية والنيابية قبل الثورة، لكن بعدها لم يعد هناك غير قوة واحدة ووحيدة متحكمة في المسار السياسى للبلاد ومتمثلة في النظام الحاكم، ونتيجة لذلك أصبحت المجالس النيابية على اختلاف مسمياتها تعبيرا عن النظام وتحول دورها من مراقبة النظام إلى الترويج لسياساته ودعم قراراته. تجذير هذا التحول تحقق عن طريق الاتحاد الاشتراكى في عهد ناصر ثم المنابر في عهد السادات ثم الحزب الوطنى في عهد مبارك، أعضاء هذه التشكيلات السياسية كانوا مدعومين من النظام وأجهزة الدولة وكثيرا ما كانت تزور الانتخابات النيابية لصالحهم، في الريف كان كارنيه عضوية الاتحاد الاشتراكى أو الحزب الوطنى، يذلل كثيرا من العقبات أمام الأجهزة الحكومية. نظام يوليو لم يساهم في تأسيس حياة ديمقراطية سليمة رغم إنجازات ثورة 52 في مجالات أخرى عديدة.
(4)
الحديث عما كان يجب ألا يشغلنا عما يجب أن يكون: برلمان يمثل الشعب صدقا وحقا، يحقق الاستقرار الاجتماعى بمعناه الشامل ويمكن أن يكون مدخلا للإصلاح السياسى ككل. مصر تتحول اقتصاديا إلى نظام السوق الحرة ولا يمكن أن يتم ذلك دون تجديد مواكب في الخطاب السياسى، يبدأ من احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطن، ويدعم المشاركة السياسية والتعددية الحزبية.
(5)
تنظيم حياة المجتمع ووضع القواعد التي يجب أن يسير عليها ضرورة من أجل حماية المجتمع والدفاع عن مصالحه. دور البرلمان وضع تلك القواعد في صورة قوانين، لكن غالبًا اقتراح القوانين وصياغتها يأتى من جانب الحكومة، وفى حال كون الحكومة غير سياسية وليس لها علاقة مباشرة بالناس، يمكن أن تكون قوانينها في غير صالح المواطن أو يشوبها قصور، وهنا يأتى دور البرلمان في مناقشة هذه القوانين بما يحقق مصالح الناس.
القوانين ليست مجرد رخص أو عقوبات يصدرها المشرع، وإنما هي تعبير عن أولويات المجتمع، التي يحددها الناس أو من يمثلهم (البرلمان). لن نصل إلى سياسات وقوانين يطبقها ويطيعها عموم الناس إلا حين يشعرون أنها تحقق مصالحهم وليس مصالح السلطة التنفيذية.