بقلم - مي عزام
تشغلنى الأسئلة أكثر من حرصى على الإجابات، خاصة التى تبدأ بـ«لماذا»، فهى من أدوات الاستفهام التى لا تفارق ذهنى وأعتبرها ضرورية للمعرفة والاستنارة، كثيرا ما تتغلب عليها «كيف» وتحتل مكان الصدارة فى تفكيرنا، لتشغلنا الأداة عن الهدف، وفى خضم الانشغال نكتشف أنه رغم مرور سنوات على بداية المسيرة مازلنا عالقين لم نصل إلى الهدف رغم الإنجاز العملى الذى قمنا به.
أهمية «لماذا» لا تقلل من أهمية «كيف»، فاستخدام وسيلة غير مناسبة يمكن أيضا أن يكون عائقا أمام تحقيق الهدف.
(٢)
«ويبلاش» أو«السوط»، فيلم أمريكى إنتاج ٢٠١٤، حائز على ٣ جوائز أوسكار، وهو من تأليف وإخراج أحد شباب المخرجين الأمريكيين الموهوبين وهو داميان شازيل، تدور معظم أحداثه فى قاعة التدريب بمدرسة «شافير» الموسيقية الشهيرة، ويرسم لنا العلاقة بين قائد فريق هذه المدرسة المخيف «فليتشر» الذى تجسد لنا الكاميرا إحساس السيطرة الكاملة التى يمارسها على أعضاء الفريق، حيث يبدو كإله لا ينازع سلطانه أحد، وكيف يبدو البطل أندرو (مايلز تيلور)، عازف الدرامز (١٩ سنة)، الموهوب والعاشق لموسيقى الجاز منذ طفولته، حائرا وتائها وهو يتعرض لدرجة هائلة من الضغط من جانب «فليتشر»، الذى لا يتورع عن إهانة الموسيقيين ووصفهم بأبشع الألفاظ وأكثرها خسة والتقليل من شأنهم أمام زملائهم بل وضربهم أحيانا صفعا على وجوههم أو بقذفهم بأدوات قد تؤذيهم.
(٣)
هدف «فليتشر» هو الضغط على العازفين الذى يرى فيهم نبوغا وموهبة حتى يصل بهم إلى مرحلة كسر النواة لتفجير أقصى درجات الإبداع لديهم، وفى سبيل ذلك يمارس أقصى درجات الاستفزاز غير الإنسانية كما نشاهدها فى الفيلم، الذى تعيشه بكل حواسك حتى تكاد تتماهى مع شخصياته، وتنتقد سلوك المايسترو «فليتشر»، وتصرخ: لماذا يفعل هذا؟ وكيف يسمح له العازفون بممارسة هذه السادية عليهم؟
(٤)
شاهدت فيلم «ويبلاش» على الأقل أربع مرات، ورغم ذلك لم تزهد مشاهده عينى، ولم تمل موسيقاه أذنى، العنوان ملائم تماما لموضوعه، فالسوط يُستخدم فى الترويض والتأديب ويستخدمه الساديون للمتعة، وهو فى نفس الوقت اسم المقطوعة الموسيقية التى يتدرب عليها فريق شافير الموسيقى تحت قيادة فليتشر، وهى من موسيقى الجاز، حيث لاعب الدرامز له أهمية كبيرة، وهو ما يجعل العبء الكبير يقع على عازف الدرامز أكثر من غيره.
التحفيز بهذه الصورة السادية التى ظهرت فى الفيلم، يؤدى لثلاثة احتمالات: الانتحار بسبب العجز عن الوصول للمستوى الذى يطلبه فليتشر وهو ما حدث مع عازف البوق «شون كاسى»، الذى وجدوه مشنوقا فى شقته، واتهمت أسرته «فليتشر» بأنه وراء ما تعرض له من ضغوط، والثانى الإحباط كما حدث مع «تانر» عازف الدرامز، الذى هجر الموسيقى ليدرس الطب بسبب سلوك فليتشر معه، وأخيرا الاحتمال الثالث والأخير أن تنجح هذه الضغوط الهائلة فى تفجير نواة الإبداع كما حدث مع «أندرو» فى النهاية، ليستخرج اللؤلؤ من قلب القوقعة كما يقال.
(٥)
فى كل مكان فى العالم هناك «فليتشر» يؤمن بأن لديه رسالة عليه أن يؤديها، يبحث عن الكمال ويرفض الاكتفاء بجملة «عمل جيد»، ومن أجل ذلك يضغط على من يديرهم، لما له من سلطة غير محدودة عليهم (بسبب ثقته فى قدراته، ولخوف الآخرين من معارضته وفقدان مكانتهم تحت إدارته). شخصية «فليتشر»، التى جسدها الممثل «جى كى سيمونز»، وحاز عنها بجدارة على «أوسكار أحسن ممثل مساعد»، أفضل مثال على أن الهدف مهم، لكن اختيار الوسيلة المناسبة إنسانيا لا يقل أهمية، لتحقيق النجاح بنسب أكبر.
(٦)
اسأل نفسك كل يوم عن هدفك فى الحياة. اجعل من «لماذا» سؤال البداية.. وحين تصل إلى إجابة، فكر فى وسيلة لا تُفقدك من حولك.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع