بقلم : مي عزام
(1)
العالم كله تابع أخبار الانتخابات الأمريكية باهتمام، فهى الحملة الرئاسية الأشهر والأكثر تكلفة فى العالم، ويصاحبها صخب إعلامى وجدل وتحليلات سياسية وتوقعات عما سيكون عليه حال العالم فى السنوات الأربع القادمة، نظرا لمكانة أمريكا كدولة عظمى هى الأولى اقتصاديًّا وعلميًّا وعسكريًّا حتى الآن، وحتى يتغير هذا الأمر ستظل الانتخابات الأمريكية لها الحظوة فى المتابعة لا تنافسها أى انتخابات رئاسية حول العالم.
(2)
استطلاع للرأى أجرته مؤسسة «يو جوف» البريطانية، ونشرته بى بى سى مؤخرًا، جاء فيه أن النسبة الكبرى من العرب يفضلون فوز «بايدن»، فمن بين 3097 شخصًا، شملهم الاستطلاع، فى 18 دولة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فضّل حوالى 39% «بايدن» بينما اختار 12% فقط «ترامب».
صورة «ترامب» حسب المراقبين تضررت فى الشارع العربى، بسبب قراره نقل السفارة الإسرائيلية للقدس ودعمه ضم مرتفعات الجولان السورية لإسرائيل، ومساندته كل المواقف الإسرائيلية، لكنه من ناحية أخرى حظى ببعض التأييد، خاصة فى منطقة الخليج بسبب قراره بخروج بلاده من الاتفاق النووى مع إيران.
(3)
بالنسبة لأنظمة الحكم، نقلت صحيفة «يسرائيل هايوم» المؤيدة لترامب عن دبلوماسى إماراتى وصفته بالرفيع، قوله إن «أنظارنا متجهة إلى الانتخابات فى الولايات المتحدة ونتمنى فوز ترامب، لكننا نستعد لإمكانية دخول رئيس جديد إلى الغرفة البيضاوية فى البيت الأبيض».
كما نقلت عن موظف رفيع فى المنامة، وصفته بأنه «مقرب من الأوساط الحاكمة فى الرياض وأبو ظبى»، قوله إن «هناك تخوفًا فى محور الدول العربية المعتدلة من هزيمة ترامب، ومن أن يقود فوز المرشح الديمقراطى جو بايدن إلى تغيير السياسة فى الشرق الأوسط».
(4)
هذه التوقعات ليست لها علاقة بنتيجة الانتخابات، ولكنها مؤشر على طريقة تفكيرنا كعرب شعوبًا وحكامًا، نترقب بقلق ورجاء ما تسفر عنه نتائج الانتخابات الأمريكية لما قد تحمله من تأثير على السياسة الداخلية والخارجية فى وطننا العربى، أمر يجب أن نفكر فى جدواه ودلائله. فالشعوب يجب ألا تنتظر عونًا من خارج حدودها وكذلك الأنظمة الحاكمة، يجب أن يكون سند شرعيتها الوحيد رضاء الشعب عن أدائها، والاستماع للناس وتفهم مطالبهم ومخاوفهم ومحاولة تحقيق طموحاتهم فى حياة كريمة وعادلة بحسن إدارة موارد البلاد وثرواتها وأن يكون فى مقدمة الأولويات تحسين حياة البسطاء وعامة الناس، وتحقيق الأمن والأمان والاستقرار اللازمين للتطوير والإبداع، أما «ترامب» و«بايدن» فهما قد يختلفان فى الأسلوب وترتيب الأولويات لكن ليس فى الأهداف الاستراتيجية الأمريكية.
(5)
التحالفات بين الدول تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، ويعزز ذلك قدرة كل دولة على تقديم نفسها كدولة قوية، داخليًّا بنظام حكم مستقر ديمقراطى رشيد واقتصاد قادر على تحقيق استقلالية صنع القرار وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وخارجيًّا بقدرتها على حماية حدودها وحقوقها ومصالحها ويضاف إلى ذلك نفوذها وتأثيرها فى محيطها الإقليمى ومشاركتها الدولية. مثل هذه الدول لا تصنعها أمريكا ولا تساهم فى تأسيسها، بل هى تصنع نفسها بإرادة شعوبها وكفاءة حكامها، فأمريكا ليست «بابا نويل» الذى يقدم هدايا أعياد الميلاد للشعوب والدول دون انتظار المقابل، لا شىء فى العالم مجانيًّا إلا حنان الأم كما يقال، وبالتأكيد أمريكا لا يتوفر فيها صفة الأمومة، فهى دولة عظمى تسعى لتحقيق مصالحها فى إطار النظام العالمى الذى وضعت خطوطه العريضة وهى مستعدة لهدمه لو انقلب الأمر ولم يعد يحقق مصالحها، كما فعل «ترامب» مع الصين وحلفائه الغربيين.
(6)
العالم يتغير بسرعة مذهلة، لكن منطقتنا توقف بها الزمن، فما زلنا نعيش لحظة سقوط الاتحاد السوفيتى وانفراد أمريكا بحكم العالم، نسعى لتقديم القرابين لسيد البيت الأبيض رغبة ورهبة. فلدىَّ قناعة بأن الشعوب وحدها هى التى تملك الحلول لمشاكلها والرد على ما يواجهها من تحديات، وسيد البيت الأبيض لا يملك المصباح السحرى، وسيكون عليه هو أيضًا أن يضع خطة عاجلة لمشاكل بلاده والتحديات التى ستواجهها فى السنوات القليلة القادمة.
ملحوظة: المقال أرسلته فى موعده صباح الثلاثاء قبل إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية.