بقلم : مي عزام
القبض على محافظ المنوفية في تهمة فساد، قُبيل زيارة الرئيس المعلنة للمحافظة، مؤشر إيجابى، معناه أن الدولة وجدت أن الأمور لا تتوقف على شخص بعينه، ولو كان على رأس السلطة التنفيذية في المحافظة. تم افتتاح المشاريع المعلن عنها بحضور السيسى وكوكبة من مسؤولى المحافظة ورجالات الدولة، وتم الأمرعلى خير ما يرام. المحافظ هشام عبدالباسط عين قبل 3 سنوات تقريبا، ومنذ ذلك الحين وهناك تهم كثيرة تلاحق المحافظ، وعلى رأسها أنه قام بتزوير الشهادات الدراسية المقدمة منه، أولها شهادة ليسانس الآداب التي عدل بها وضعه الوظيفى (كان أول تعيين له أمين معمل بالشهادة الإعدادية) وثانيًا شهادة الدكتوراه التي ادعى أنه حصل عليها، بالإضافة إلى اتهامات بالرشوة والفساد.
(2) الرقابة الإدارية تحركت بناء على معلومات أدلت بها زوجة المحافظ الثانية (تحت تأثير غيرتها من زواجه بثالثة) تفيد تورط زوجها في قضايا فساد، وأخبرت رجال الرقابة الإدارية بتحركاته وخطوط سيره، وظلت على هذا الوضع طيلة الأربعة أشهر الماضية، حتى تم القبض عليه متلبساً. المدهش أن سمعة الرجل ووالده لم تكن يومًا فوق مستوى الشبهات، كما أن عدداً من مقدمى برامج التوك شو سبق أن قدموا للمسؤولين وقائع كثيرة تثبت فساد الرجل، ذكرها عدد من ضيوف هذه البرامج، لكن لم يتم التحقيق فيها بجدية، والدليل بقاء الرجل في منصبه حتى الآن، كما أن سيرة المحافظ الذاتية التي ذكرتها الصحف بالتفصيل بعد القبض عليه تجعلنا نسأل بدهشة: كيف استطاع مثل هذا الرجل الوصول لهذا المنصب؟
(3) «الوقاية خير من العلاج»، مثل يحضرنى في هذه الواقعة وكل الوقائع المماثلة، ويجعلنى أطرح سؤالاً عن دورالأجهزة الرقابية والأمنية قبل تعيين أي مسؤول في الدولة وخاصة حين يكون مرشحًا لوظيفة مهمة مثل المحافظ، وهو منصب يتعرض صاحبه للفتنة، فيمكن أن يسقط في الغواية حتى أن كان طيب السمعة طاهر اليد، فما بالك وتاريخ المحافظ ملىء بالشبهات، هل الأجهزة الرقابية والأمنية قدمت تقارير غير دقيقة عن هشام عبدالباسط، وعليه وافق الرئيس السيسى على ترشيحه ووقع قرار تعيينه؟، أم أن التقارير المقدمة لم تكن في صالحه وتم إغفالها وتقديم هشام عبدالباسط، للرئيس على أنه الرجل المناسب في المكان المناسب؟، هناك ضرورة في معرفة بداية الخيط حتى نتجنب مثل هذه النهاية المحتومة.
(4) مهم جدًا، أن يعرف الشارع المصرى بعد القبض على موظف عام ذو حيثية، من المسؤول عن تعيينه وليس فقط من صاحب الفضل في القبض عليه، حتى لا تتكرر الواقعة، التي لا تدين النظام بالفساد، لأنه في النهاية لا يتستر عليه، ولكن تدين أداء القيادات وتشكك في كفاءة الأجهزة الرقابية والأمنية. النقطة الأخرى التي أظهرتها قضية محافظ المنوفية: عدم اهتمام المسؤولين بما يقال في الإعلام. وسائل الإعلام لها دور رقابى مهم في المجتمع، فهو تمثل عين الشعب وضميره. فلماذا لا تكون هناك منظومة تتبعها الحكومة للتحقق مما يثار من اتهامات في الإعلام لبعض رجالها وهم في مناصبهم، وتطلع الرأى العام على نتائج التحقيقات، لو كانت الاتهامات جزافية وكاذبة ترد على الشائعات وتئدها في مهدها، وإن كانت صحيحة فهى بذلك تؤصل لدور الإعلام ومصداقيته وتجعله رادعًا لأى مسؤول يفكر في استغلال نفوذه والتربح من منصبه أو سرقة المال العام، لأنه سيخشى الرأى العام الذي يراقبه عن طريق الإعلام والدولة التي تتحقق من الأمر.
(5) حقوق البلد لا تسقط بالتقادم، وإن كانت الدولة قررت بالفعل حربًا على الفساد المالى والإدارى المتفشى في أجهزتها، فعليها كما تعاقب الفاسد، إن تعاقب المتستر عليه أو الذى سمح بوجوده، أضعف الإيمان أن تحدد المسؤول عن اختيار الفاسد وتصعيده لمنصب كبير لتعالج ذلك فيما بعد. المسؤولية هم وعبء ثقيل، ومن يوافق على تحملها عليه أن يدرك دوره وتبعات منصبه، لكن للأسف لعقود طويلة لم تكن الدولة تعاقب إلا الطرف الأخير في سلسلة الفساد الإدارى والمالى الطويلة. اختيارمسؤول لشخص سيئ السمعة والتهاون مع ماضيه، لأنه شاطر أو حركى، أو استطاع أن يكسب وده بالمجاملات ومعسول الكلام، تصرف يجب أن يحاسب عليه، محاسبة من أخل بمسؤوليته في الحفاظ على المال العام وحقوق الشعب التي أؤتمن عليها، لكن الدولة اعتادت أن تتهاون في ذلك وتعتبرها اختيارات سيئة تمت بحسن نية.. لذلك سنظل نعانى من نفس النتائج وستتكرر نفس الوقائع لكن بأسماء جديدة.
نقلا عن المصري اليوم القاهريه