بقلم : مي عزام
حين قررت «نورا» فى مسرحية «بيت الدمية» لهنريك إبسن أن تترك بيت زوجها الآمن لتخرج إلى المجهول، ما الذى دفعها لذلك؟
فى آخر مشهد من فيلم «سواق الأتوبيس» للمخرج عاطف الطيب حين قرر السائق «حسن» الترجل عن الأتوبيس الذى يقوده ومطاردة السارق والإمساك به، معرضا نفسه للخطر، فيما كان يفكر؟
القاتل المحترف «جون ويك»، فى سلسلة الأفلام التى تحمل اسمه، قرر الانتقام من ابن زعيم المافيا الروسية، رغم معرفته أنه بذلك يضع يده فى فم الأفعى، ولم يتراجع فلماذا؟
الغضب، هو المحرك لسلوك الثلاثة نماذج السابقة، الغضب شعور يكتسح العقل، فيندفع الفرد تحت تأثيره إلى مسار آخر لم يخطط له، نتيجة تعرضه لموقف لم يعجبه ولم يتقبله ولم يستطع تحمله، أسباب الغضب قد تكون شخصية أو جماعية، فهناك من يغضب للقيم والأخلاق والمصلحة العامة، وهناك من يغضب لأنك زاحمته على مكان انتظار السيارة، كما أن رد فعل الغاضب يختلف من شخص لآخر، «نورا» غضبت لكرامتها وتمردت على صورتها التى انطبعت فى عقل زوجها عنها كدمية هشة غير مسؤولة، فقررت أن تبتعد بحثا عن ذاتها، السائق «حسن» تجربته مع محاولة استرجاع ورشة أبيه جعلته يكتشف أنه وأمثاله من الذين حاربوا دفاعا عن الوطن تعرضوا لسرقة أحلامهم وأمانيهم المشروعة، من قبل طفيليين تسلقوا على أجسادهم النحيلة من الهموم، فقرر التصدى لكل سارق والتخلى عن سلبيته، التجربة صقلت مفاهيمه وحددت موقفه من العالم، أما «جون ويك» فهو يريد الانتقام من الذى سرق سيارته وقتل كلب زوجته المتوفاة، انتقام شخصى يليق بقاتل محترف ولا شىء أكثر من ذلك.
(2)
الغضب، شعور غريزى يتولد حين يشعر الكائن أنه تعرض لخطر نتيجة موقف فيه تعد عليه وانتقاص منه. الغضب لأسباب مشروعة ومستحقة، إيجابى، أما الغضب بسبب استعلاء أو رغبة فى الاستحواذ الشخصى دون وجه حق فهو سلبى، وكلما كان هناك توازن بين حجم الغضب والفعل الذى سببه، كان قريبا من الرشاد وكلما تجاوزه كان ضربا من الجنون، وصدق رسول الله حين قال: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب.
(3)
ما تحدثت عنه كمواقف فردية يمتد إلى المجتمعات، الثورات نوع من الغضب الجمعى الإيجابى، حيث تخرج الجموع مطالبة بتغييرات جذرية لصالح المجتمع كله، وهناك مظاهرات غاضبة لها أهداف محددة سلفا، مثل مظاهرات أصحاب السترات الصفراء فى فرنسا، وهونج كونج ومظاهرات موسكو الأخيرة، ويمكن أن يقتصر الغضب على وسائل التواصل الاجتماعى، مثلما حدث مؤخرا حين انتشر هاشتاج #علماء_مصر_غاضبون، وهو غضب فئوى، وبغض النظر عن تفاصيل الأمر، فالتعبير عن الغضب ليس جريمة، طالما أن الغضبة تطالب بحق مشروع، وحجم الغضب لم يتجاوز حدود الرشاد. وأنا أعتقد أن هناك فئات أخرى كثيرة فى المجتمع المصرى غاضبة، لكنها لا تعبر عن غضبها لأنها يائسة من إمكانية التغيير بالتعبير.
(4)
أجد بعض العذر للنظام والحكومة، من موقفهما المتشدد تجاه المظاهرات التى يمكن أن ينفس فيها المتظاهرون عن غضبهم بطرق سلمية، تحسبا لتحولها إلى فوضى يندس فيها مخربون والبلد ما زال فى حرب ضد الإرهاب، لكن لا أجد لأيهما عذرا فى المماطلة فى بدء حوار مجتمعى موسع مع كل فئات المجتمع المصرى لمعرفة مختلف الآراء وأسباب غضب البعض وعدم رضاهم. الاستماع إلى مؤيدى النظام وحوارييه فقط يصيب المجتمع بالجمود، الحوار بين وجهات نظر متعددة ثراء تتضاعف فيه الأفكار المطروحة والمقترحات الخاصة بتحقيق المطلوب بأفضل الوسائل، وفى نفس الوقت تحقيق أكبر درجات الاستقرار عن طريق توسيع المشاركة وتحقيق الرضاء العام. التأخر عن تحقيق إنجازات ملموسة تسعى إليها الحكومة أقل ضررا من تجاهل الغضب المكبوت.