توقيت القاهرة المحلي 08:55:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخيزران.. زراعة الخيال وصناعة الأمل

  مصر اليوم -

الخيزران زراعة الخيال وصناعة الأمل

بقلم : مي عزام

(1)

بعد جائحة كورونا، بدأت الناس تعيد مشاهدة الأفلام، التى تناولت الأوبئة، وعرضت سيناريوهات قريبة جدا مما نحن فيه، وكان فيلم Contagion المنتج عام 2011 أحدها، البعض اعتبره محاكاة تفصيلية للواقع الآنى.

رغم أن هذا الفيلم لا يعد من أفلام الخيال العلمي، فإنه جعل الناس يعيدون النظر فى هذا النوع من الأفلام لأنه يمكن أن يتحقق، مستقبلا، ما كان البشر يعتبره ضربا من ضروب الخيال منذ قرون، فيمكن أن يتحقق ما هو أكثر منه والقادم أعظم. الخيال يسبق الواقع ويؤسس له، كل الاكتشافات والاختراعات العلمية كانت خيالا وحلما عصيا، الفرق بين العبقرى والمجنون، وكلاهما صاحب خيال جامح، هو قدرة الأول على تنفيذ خياله وحلمه.

(2)

كل الحضارات القديمة نسجت أساطير يختلط فيها الواقع بالخيال، فسر من خلالها أسلافنا كيف خلق العالم والظواهر الطبيعية من شروق وغروب، مد وجزر، أمطار وفيضانات، أعاصير وزلازل وبراكين، خصوبة ونماء وجدب، مرض وموت.. إلخ، وجعلوا لكل ظاهرة ربا يتلاءم شكله وصفاته مع وظيفته، هذه الأساطير جزء من التراث الإنسانى وقريبة من عالم «مارفل» وشخوصه الخارقة، ألا يذكرنا «سوبرمان» ب«هرقل»، «ألف ليلة وليلة» بعوالمها السحرية، التى يمتزج فيها الإنس والجن والسحرة والمنبوذون، وتتسع قصصها لشتى أنواع البشر، بما فيهم من خصال خير وشر، ألا تتفوق على «سيد الخواتم» و«هارى بوتر» و«حرب النجوم»، ألم تسبق «كليلة ودمنة» فكرة المعلم «سبلينتر» فى كومكس سلاحف النينجا، متى انطفأت جذوة الخيال من منطقتنا، ولماذا أصبحت هوليوود أيقونة الخيال فى عصرنا، جامعة الأساطير وصاحبة النبوءة؟

لأن أمريكا، الدولة الأقوى والأعظم علميا حتى الآن، أرض الأحلام حيث ينمو الخيال بلا قيود، وشركات هوليوود تملك إمكانيات مادية ضخمة تمكنها من الاستعانة بأحدث التقنيات العلمية، حتى تحول الشطحات الخيالية إلى شريط سينمائى يبهر العالم ويتابعه بشغف ويتعاطف مع أبطاله، وكأنهم بشر من لحم ودم.

صناعة الخيال صناعة ضخمة ومربحة للغاية، وممتعة، وتأثيرها قوى جدا على الوعى الجمعى لشعوب الأرض فى عصر العولمة، وهى جزء من القوى الناعمة للدول التى تنتجها بحرفية وإتقان، ويمكن عن طريقها تغيير الصورة الذهنية لهذه الدول، كما فعلت اليابان مع «الأنيمي» الصور المتحركة. أفلام نهاية العالم وفناء الحضارة التى نعرفها يمكن أن نعتبرها جرس إنذار ونبوءات من أصحاب البصيرة.

(3)

نبات الخيزران «البامبو» نموه يحاكى الخيال، فهو يظل مختفيا تحت الأرض لمدة قد تمتد لـ5 سنوات، تنمو أثناءها الجذور وتتشابك حتى تصبح فى قوة الخرسانة المسلحة حتى تستطيع أن تثبت النبات، الذى يصل طوله إلى 37 مترا، سنوات الخفاء يتبعها نمو سريع ومذهل، حيث يخترق الخيزران التربة بقوة، ويصل نموه فى اليوم الواحد إلى حوالى المتر. النبات ينتج كميات وفيرة من الأكسجين، ويستهلك كميات كبيرة من ثانى أكسيد الكربون، فهو منظف للبيئة من التلوث، وله استخدامات حياتية شتى، تماما مثل الخيال.

(4)

مصر، ومنذ زمن طال أمده، تربة لا تصلح لزراعة الخيال، ومن ثم صناعته. مفهوم الخيال عندنا غامض ومريب، يعتبره البعض الباب رقم 40 المحرم فتحه، مثل صندوق باندورا، حين تسأل مصريا عن حلمه وخياله عن المستقبل ستكون الإجابة واقعية جدا مع بعض التحسينات. الكل يتحدث عن حلول من خارج الصندوق لمشاكلنا المزمنة، ولا أعرف كيف نتوقع مثل هذه الحلول، ونحن لا نشجع أفراد المجتمع على الخيال ونسمح بالاختلاف ونجيز كسر الأنماط والتعريفات المعوقة. نسجن الخيال ونضع عليه ألف رقيب: عادات ومفاهيم وقوانين لا تصلح لعصرنا، ولا تتوافق مع الفهم الرشيد للحياة. ندور منذ عقود فى دوائر مغلقة، نسير طويلا ونعود إلى نقطة البداية، حرصت الأنظمة المختلفة على استمرار حالة «الجمود» التى نعيشها على اعتبار أنها مرادف ل«الاستقرار»، لكن هناك فرق كبير بينهما، الجمود ركود ينتهى بالتحلل والموات، أما الاستقرار فهو محفز لتطور الحياة. ويبقى سؤال: لماذا لا نجعل جائحة كورونا فرصة للتفكير فى زراعة الخيال وصناعة الأمل.

ektebly@hot mail.com

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيزران زراعة الخيال وصناعة الأمل الخيزران زراعة الخيال وصناعة الأمل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon