بقلم : مي عزام
(1)
بعد جائحة كورونا، بدأت الناس تعيد مشاهدة الأفلام، التى تناولت الأوبئة، وعرضت سيناريوهات قريبة جدا مما نحن فيه، وكان فيلم Contagion المنتج عام 2011 أحدها، البعض اعتبره محاكاة تفصيلية للواقع الآنى.
رغم أن هذا الفيلم لا يعد من أفلام الخيال العلمي، فإنه جعل الناس يعيدون النظر فى هذا النوع من الأفلام لأنه يمكن أن يتحقق، مستقبلا، ما كان البشر يعتبره ضربا من ضروب الخيال منذ قرون، فيمكن أن يتحقق ما هو أكثر منه والقادم أعظم. الخيال يسبق الواقع ويؤسس له، كل الاكتشافات والاختراعات العلمية كانت خيالا وحلما عصيا، الفرق بين العبقرى والمجنون، وكلاهما صاحب خيال جامح، هو قدرة الأول على تنفيذ خياله وحلمه.
(2)
كل الحضارات القديمة نسجت أساطير يختلط فيها الواقع بالخيال، فسر من خلالها أسلافنا كيف خلق العالم والظواهر الطبيعية من شروق وغروب، مد وجزر، أمطار وفيضانات، أعاصير وزلازل وبراكين، خصوبة ونماء وجدب، مرض وموت.. إلخ، وجعلوا لكل ظاهرة ربا يتلاءم شكله وصفاته مع وظيفته، هذه الأساطير جزء من التراث الإنسانى وقريبة من عالم «مارفل» وشخوصه الخارقة، ألا يذكرنا «سوبرمان» ب«هرقل»، «ألف ليلة وليلة» بعوالمها السحرية، التى يمتزج فيها الإنس والجن والسحرة والمنبوذون، وتتسع قصصها لشتى أنواع البشر، بما فيهم من خصال خير وشر، ألا تتفوق على «سيد الخواتم» و«هارى بوتر» و«حرب النجوم»، ألم تسبق «كليلة ودمنة» فكرة المعلم «سبلينتر» فى كومكس سلاحف النينجا، متى انطفأت جذوة الخيال من منطقتنا، ولماذا أصبحت هوليوود أيقونة الخيال فى عصرنا، جامعة الأساطير وصاحبة النبوءة؟
لأن أمريكا، الدولة الأقوى والأعظم علميا حتى الآن، أرض الأحلام حيث ينمو الخيال بلا قيود، وشركات هوليوود تملك إمكانيات مادية ضخمة تمكنها من الاستعانة بأحدث التقنيات العلمية، حتى تحول الشطحات الخيالية إلى شريط سينمائى يبهر العالم ويتابعه بشغف ويتعاطف مع أبطاله، وكأنهم بشر من لحم ودم.
صناعة الخيال صناعة ضخمة ومربحة للغاية، وممتعة، وتأثيرها قوى جدا على الوعى الجمعى لشعوب الأرض فى عصر العولمة، وهى جزء من القوى الناعمة للدول التى تنتجها بحرفية وإتقان، ويمكن عن طريقها تغيير الصورة الذهنية لهذه الدول، كما فعلت اليابان مع «الأنيمي» الصور المتحركة. أفلام نهاية العالم وفناء الحضارة التى نعرفها يمكن أن نعتبرها جرس إنذار ونبوءات من أصحاب البصيرة.
(3)
نبات الخيزران «البامبو» نموه يحاكى الخيال، فهو يظل مختفيا تحت الأرض لمدة قد تمتد لـ5 سنوات، تنمو أثناءها الجذور وتتشابك حتى تصبح فى قوة الخرسانة المسلحة حتى تستطيع أن تثبت النبات، الذى يصل طوله إلى 37 مترا، سنوات الخفاء يتبعها نمو سريع ومذهل، حيث يخترق الخيزران التربة بقوة، ويصل نموه فى اليوم الواحد إلى حوالى المتر. النبات ينتج كميات وفيرة من الأكسجين، ويستهلك كميات كبيرة من ثانى أكسيد الكربون، فهو منظف للبيئة من التلوث، وله استخدامات حياتية شتى، تماما مثل الخيال.
(4)
مصر، ومنذ زمن طال أمده، تربة لا تصلح لزراعة الخيال، ومن ثم صناعته. مفهوم الخيال عندنا غامض ومريب، يعتبره البعض الباب رقم 40 المحرم فتحه، مثل صندوق باندورا، حين تسأل مصريا عن حلمه وخياله عن المستقبل ستكون الإجابة واقعية جدا مع بعض التحسينات. الكل يتحدث عن حلول من خارج الصندوق لمشاكلنا المزمنة، ولا أعرف كيف نتوقع مثل هذه الحلول، ونحن لا نشجع أفراد المجتمع على الخيال ونسمح بالاختلاف ونجيز كسر الأنماط والتعريفات المعوقة. نسجن الخيال ونضع عليه ألف رقيب: عادات ومفاهيم وقوانين لا تصلح لعصرنا، ولا تتوافق مع الفهم الرشيد للحياة. ندور منذ عقود فى دوائر مغلقة، نسير طويلا ونعود إلى نقطة البداية، حرصت الأنظمة المختلفة على استمرار حالة «الجمود» التى نعيشها على اعتبار أنها مرادف ل«الاستقرار»، لكن هناك فرق كبير بينهما، الجمود ركود ينتهى بالتحلل والموات، أما الاستقرار فهو محفز لتطور الحياة. ويبقى سؤال: لماذا لا نجعل جائحة كورونا فرصة للتفكير فى زراعة الخيال وصناعة الأمل.
ektebly@hot mail.com