توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قانون الوجود

  مصر اليوم -

قانون الوجود

بقلم : مي عزام

(1)

نعتاد النعم، حتى لا نشعر بوجودها، ولا يجول بخاطرنا كيف سيكون حالنا دونها. أن تستيقظ كل يوم من فراشك، وتقف على قدميك، متمتعًا بحواسك الخمس، قادرًا على تحريك لسانك وجسدك وأطرافك كيفما شئت، لهى نعمة كبيرة لا يدركها إلا محروم. يَمُنّ الله على عباده بالعديد من المنح، ويختبرهم بالمحن، وكلاهما فيه خير كثير.

(2)

يوم السبت 4 يوليو الحالى، تعرضت لحادث مؤلم وغير متوقَّع، في السادسة صباحًا خرجت كعادتى لممارسة رياضة المشى في الشوارع الهادئة المحيطة بمسكنى. بعد مضى نصف الساعة، فوجئت بمجموعة من كلاب الشارع، التي أعرفها وتعرفنى بحكم التريض في نفس المسار كل يوم تقريبًا، تهاجمنى بنباحها، وتتجمع حولى، وكأنها تهم بالانقضاض علىَّ، لوهلة ارتبكت وشعرت بالخوف ورجعت خطوة إلى الوراء. لم تكن خطوة موفقة، سقطت على ظهرى، وشعرت بألم شديد في عمودى الفقرى ورسغ يدى اليسرى، وألم أقل في اليمنى. كل ذلك لم تتجاوز مدته دقيقتين مرتا وكأنهما ساعتان. أسرع عدد من سكان المنطقة الذين يعرفوننى بحكم الاعتياد لنجدتى ومساعدتى على النهوض.

(3)

حادث عارض لم يخطر يومًا على بالى، قلب حياتى رأسًا على عقب. في المستشفى أظهرت الأشعة كسرًا في إحدى فقرات العمود الفقرى وكسرًا في رسغ اليد اليسرى وتمزقًا في أربطة اليمنى. أبسط الحركات التي كنت أقوم بها بتلقائية ودون تفكير أصبحت مهام مستحيلة.

حالى الآن باختصار: يدى اليمنى تعافت، واليسرى في الجبس، والحزام الطبى يلازمنى ليل نهار. أستطيع، بفضل الله، متابعة الأحداث والمشاركة والتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعى، بِتُّ قادرة على الكتابة من الموبايل، باستخدام الإبهام، فأنا عاجزة تمامًا عن الكتابة على اللاب توب.

(4)

لست الأولى، ولن أكون الأخيرة التي تتعرض لحادث كان من الممكن تداركه لو لم يتملَّكنى الخوف ويغيب معه العقل والمنطق، وتتغلب الهواجس والمخاوف، في مرات سابقة تعرضت لمواقف مشابهة، لكن رد فعلى كان مختلفًا، كنت أواجه الكلب الذي ينبح نحوى بوقفة حازمة، وآمره بالابتعاد، ثوانٍ، ويمتثل الحيوان للأمر ويبتعد. وهنا تحضرنى قصة يوسف إدريس «أنا سلطان قانون الوجود»، التي يسرد فيها واقعة حقيقية حدثت لمدرب الأسود الشهير، في السيرك القومى، محمد الحلو، حين انْقَضَّ عليه الأسد «سلطان»، بعد أن أنهى عرضه، واستدار ليُحَيِّى جمهوره، وفسر «إدريس» الأمر بأن «سلطان» شعر لوهلة بخوف مدربه، فهاجمه معلنًا عن قانون الوجود، وهو سيادة القوة وهزيمة الضعيف. ما يحدث بين الحيوان والإنسان ليس بعيدًا عما يحدث بين الناس والدول، ما إن يشعر مَن يتربص بك بخوفك حتى يهاجمك بضراوة وينْقَضَّ عليك دون رحمة، ولو شعر بالعكس يتراجع.

(5)

الحيوان حين يدرك ضعفك يهاجمك، ولكن أيضًا حين تهاجمه يهاجمك، ردود فعل معروفة، الإنسان الكائن الوحيد الذي لا يمكن توقع ردود أفعاله بحسم، فهى محكومة بعوامل عدة متداخلة: الحالة النفسية والمزاجية والجسدية. العالم كله يتعرض لتجربة صعبة: جائحة كورونا، لكن تتباين ردود أفعال الشعوب طبقًا لإدارتها وما اعتادت عليه من ردود أفعال. مصر تواجه، بالإضافة إلى ذلك، تحديات من الغرب والشرق ومنبع النيل، لكن مَن يعيش دون تحديات؟!! التحديات جزء من الحياة، وهى التي تُظهر معدنك الحقيقى وقدرتك على حسن التصرف تحت الضغوط، المحن يمكن أن تتحول إلى منح تقويك ولا تهزمك.

(6)

حياتنا محكومة ببدايات ونهايات متعاقبة ومتواصلة تحددها قوانين الحياة، وعلمنا محدود بحدود قدراتنا على الاستيعاب والاستنتاج، وفكرنا ينتقل بنا بين الماضى والحاضر والمستقبل بلا توقف، حتى إننا لا نعرف الحدود بينها، وفى وسط هذه الدوائر تظل للمرات الأولى وقع مختلف: أول حب، أول وظيفة، أول حذاء بكعب عالٍ، أول مرة ترى دماءك تسيل.

وهذه أول مرة أستقبل فيها عيد الأضحى المبارك وأنا سجينة الفراش، سيفوتنى بعض طقوس العيد التي اعتدت عليها، لكن فرحتى به لم تُمَسّ، بل زاد عليها شعور بالسكينة والرضا بقضاء الله، وهو شعور مؤنس، حين يغيب نشعر بالوحدة والوحشة ويقتلنا القلق والتوتر.

الله أكبر كبيرًا

والحمد لله كثيرًا

وسبحان الله بكرة وأصيلًا

كل عام ومصر بخير وشعبها في أمان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون الوجود قانون الوجود



GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 08:18 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 08:15 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon