بقلم : مي عزام
1- هل نتحاور؟
فى ثمانينيات القرن الماضى انشغل الرأى العام المصرى بمعركة فكرية بين د. زكى نجيب محمود والشيخ متولى الشعراوى، الأول كان يحرص فى كتاباته على التمسك بأصالتنا مع الأخذ بالعلوم الحديثة لنواكب العصر ونشارك فى صنع المستقبل، وكان ينتقد من يقلل من شأن أهمية التقدم العلمى، وفى مقال له بصحيفة «الأهرام» انتقد بأدب وحوار عقلانى ما قاله الشيخ الشعراوى فى إحدى حلقات خواطره القرآنية على التليفزيون، ساخرا من الغرب، الذى يهلل ويفرح بصعوده إلى القمر، وتساءل الشيخ: ما قيمة ذلك؟ ثم سحب منديلًا ورقيًّا من علبة أمامه وهزه قائلا: هذه الورقة أنفع من الوصول إلى القمر.
وكتب د. محمود فى مقاله أن الشعراوى أخطأ، فهو أول المستفيدين من الصعود إلى القمر، لأن من نتائجه اختراع الأقمار الصناعية التى تنقل أحاديث الشيخ إلى العالم، كما أن الشيخ يجلس أمام كاميرات التليفزيون فيدخل ملايين البيوت، والتليفزيون هو نتاج العلم الغربى، ولو كان الشيخ جادًا ويعتقد أن العلم الغربى لا يساوى منديل الورق، الذى اخترعه الغرب أيضا، فكان عليه أن يرفض الجلوس أمام الكاميرا، ومقاطعة المنجزات التكنولوجية للعلم الغربى.
2- هل نقرأ؟
فى كتابه «طابا.. كامب ديفيد.. الجدار العازل» ذكر د. نبيل العربى فى صفحة 40 أن أحد معاهد الأبحاث الإسرائيلية نشر فى مارس 1967 دراسة تؤكد أن طبيعة التضاريس فى سيناء تجعل الغلبة فى أى حرب مقبلة تتحقق للطرف الذى يبادر بالهجوم ويدمر سلاح طيران الطرف الآخر، ورغم ذلك لم تتخذ مصر الاحتياطات الضرورية لمواجهة الطائرات الإسرائيلية التى أغارت صباح 5 يونيو 67 فدمرت المطارات وقضت على سلاح الطيران المصرى. وأضاف العربى: لا أدرى إذا كانت الأجهزة المصرية المعنية اطلعت على هذا البحث أم لا؟
3- هل نبدع؟
مسلسل «صراع العروش» ليس مجرد مسلسل ناجح شاهده الملايين فى أنحاء العالم طوال 8 سنوات، لكن نجاحه المدوى حصيلة إبداع وعلم دقيق، ولم يأت من فراغ أو دعاية، ولا حتى من سخاء الإنتاج المالى حيث وصلت ميزانية بعض حلقاته إلى11 مليون دولار وأكثر، لكن الدقة اقتضت أحيانا أن يتم تصوير مشهد فى 55 يوم عمل رغم أن عرضه على الشاشة لم يستغرق سوى دقائق، كما ابتكر القائمون على المسلسل بالتعاون مع عالم اللغات «دافيد ج بيترسون» لغات خيالية ليس لها وجود بهدف خلق عالم خاص لبعض الشخصيات والممالك التى ظهرت خلال الأحداث، مثل اللغة «الفالارية» ولغة «الدوثراكية». تم اختراع وتصنيع كاميرا خاصة تلبى حاجة المخرج لتصوير مشاهد بعينها من الجو.
4- هل نحلل؟
فى مايو عام 1969 انتشرت فى مدينة أورليان الفرنسية شائعة أثارت الذعر، حول اختفاء عدد من نساء المدينة فى ظروف غامضة، العامل المشترك بين هؤلاء النسوة أنهن زبائن أحد متاجر الملابس الداخلية وأشيع أنه يتم حقن النساء بمادة مخدرة أثناء تواجدهن فى حجرات خلع الملابس، ثم ينقلن سرا إلى غواصة ويتم شحنهن إلى خارج البلاد للعمل فى الدعارة، وأن شبكة رقيق أبيض وراء عمليات الاختفاء. أفردت وسائل إعلام صفحات للحديث عن هذه الظاهرة، وجاءت بشهود عيان أكدوها، لكن شرطة المدينة أعلنت أنها لم تتلق أى بلاغ حول غياب أى فتاة أو سيدة، واتهم الأهالى الشرطة بأنهم تلقوا رشاوى من أصحاب المحال وبدأ الأهالى فى مقاطعة تلك المحال. ومثلما بدأت الشائعة انتهت، ولكنها أثارت تساؤلًا حول: لماذا حدثت؟ وكيف انتشرت بهذه السرعة؟ حينها، قرر عالم الاجتماع الفرنسى «إدجار موران» تكوين فريق بحثى لدراسة هذه الظاهرة ونشر نتائجها فى كتيب صغير فى نفس العام، وكان تفسير موران للظاهرة أنها محاولة من الآباء وكبار السن من الرجال للوقوف أمام مستجدات المجتمع، والتى مثلت لهم انحرافًا، حيث استقلال النساء وخروجهن للحياة مثل الرجال، بالإضافة إلى خوف هؤلاء على بناتهم وزوجاتهم مما قد يحدث لهن فى غرف قياس الملابس الداخلية، وهو ما شكل البذرة الأولى للشائعة.
5- هل نفهم؟
لا أمل فى تقدم مجتمعات لا تحترم العلم والمعرفة.. لا خير فى مجتمعات تمجد الجهل والفهلوة وتحارب أصحاب العلم والفكر والموهبة.