بقلم - مي عزام
الديمقراطية كأسلوب حكم أثبتت أنها لا تأتى دائما بالمرشح الأفضل، صناديق الاقتراع يتحكم فيها أصحاب التأثير وليس أصحاب الكفاءة، الميزة فى الديمقراطية: إمكانية تصحيح الخطأ، فى حال إدراك الشعب أن المرشح الذى اختاره لم يكن موفقا يتم تغييره فى أول انتخابات. لكن صندوق الاقتراع يظل رهن القادرين على التأثير ممن يملكون المال أو السلطة أو النفوذ. التقرير الأخير لمنظمة «أوكسفام» البريطانية غير الحكومية يذكر أن 1% من أثرى أغنياء العالم يمتلكون 82% من ثروات العالم، وتقرير المنظمة يرى أن هذه الأرقام تعكس فشل النظام الاقتصادى، والحقيقة أنها تعكس أيضا فساد المنظومة العالمية والسياسات التى تتبعها الدول، خاصة العظمى، التى لا تهتم بالمبادئ والقيم لكن بتراكم الثروات والنفوذ. النظام العالمى الفاسد الذى يتحكم فيه الأثرياء يلقى بظلاله على القدرة الحقيقية لأى انتخابات (فى أى مكان فى العالم) فى إحداث تغييرات جوهرية.
(2)
انتخابات «فيفا» فى عام 2015 كانت مثلا صارخا على الفساد ولعبة التأثير، فاز «جوزيف بلاتر» على منافسه الأميرعلى بن الحسين، حصل على 133 صوتا مقابل 73 لمنافسه فى الجولة الأولى، ثم انسحب الأمير فى الجولة الثانية وفاز بلاتر بفترة رئاسية خامسة مدتها 4 سنوات، لكن بعد أربعة أيام فقط، قدم استقالته على أثر الضغوط عليه.
كيف استطاع بلاتر أن يحوز ثقة ممثلى اتحادات كرة القدم حول العالم؟ رغم كل ما قيل عن الفساد المستشرى فى «فيفا» وإلقاء القبض على 7 من كبار المسؤولين قبل الاقتراع بأيام معدودة. أغلبية الجمعية العمومية المكونة من 209 اتحادات منحته صوتها، رغم ضلوعه ومعرفته بوقائع الفساد المالى والرشاوى، لماذا يقدم ممثلو اتحادات كرة القدم على تجديد البيعة لفاسد؟ فكرت فى عدة إجابات تتعلق بالانتخابات على وجه العموم: أولا: هناك من يفضل بقاء الحال على ما هو عليه (اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش) الخوف من المجهول يسيطر عادة على الناخبين. ثانيا: أمثال بلاتر له بطانة فاسدة تعمل بدأب لإقناع الناخبين، وتستخدم كل الوسائل الشريفة وغير الشريفة للحصول على الأصوات، محترفو الانتخابات شخصيات تقاتل بشراسة واستماتة من أجل الفوز، وهى أشياء قد لا يملكها الشرفاء. ثالثا: لا فساد بدون سلطة لكن يمكن أن تكون هناك سلطة دون فساد، كثيرون تبهرهم السلطة، تجذبهم مثل الفراش الهائم حول الضوء، لا يفكرون كثيرا فى أخلاق السلطة ولكن فى نفوذها وما تستطيع أن تحققه لهم من مكاسب، هؤلاء موجودون دائما ويرفعون شعار «مات الملك عاش الملك» فهم مع بلاتر لأنه فى السلطة، وغدا سيكونون ضده لأنه خرج منها. فى الدول ذات النظم الشمولية جماهير البسطاء يفضلون مرشح الحزب الحاكم لأن لديه القدرة على أن يحقق لهم ولو القليل من مصالحهم على عكس مرشح المعارضة. رابعا: هناك من يرى أن الفساد أفضل من التعثر، وهى مقولة راجت بعد ثورة يناير. الفوضى التى تلت الثورة أدت إلى خسائر اقتصادية كبيرة، هناك من يجد أن وجود بلاتر (وغيره من مسؤولين ورؤساء فاسدين) أفضل من وقف الحال، فالفاسد لديه مفاتيح تسيير الأعمال وله نفوذ على الجهات التابعة له، ولو أتى شريف بعده سيكون أمامه وقت طويل حتى يعرف خريطة المكان وهو ما قد يؤدى إلى خسائر وتعثر.
(3)
الفساد ليس حكرا على أفراد. هناك مجتمعات مشجعة على الفساد، بتسامحها مع الفاسدين بل أحيانا تشارك فى صناعتهم. أى مسؤول، لو استمر لفترة طويلة فى مكانه سيشعر بالاستقرار والطمأنينة، ثم بثقة تتحول لغرور وتضخم الذات، تغذيها البطانة الفاسدة المنافقة التى تلتف حوله، وسينتهى الحال إلى أن يصدق أنه صاحب الفضل فى نجاح المكان، وأن وجوده أساس الاستقرار والتنمية والتطور وبدونه سينتهى الحال إلى الفوضى والخراب، وهنا يصبح ما يحصل عليه من امتيازات حقوقا مشروعة وما يمنحه لغيره هبات لا حقوق. يبدأ الشغف بالسلطة صغيرا خجولا وسرعان ما ينمو ويتوحش ويصبح هو الذى يدير المسؤول وليس العكس، ويسقط المسؤول مهما كبر مقامه وموقعه فى غواية الاستبداد والتسلط التى تفتح الطرق أمام شتى أنواع الفساد.
(4)
الفساد فى مصر يسد آفاق المستقبل ويخنق الحاضر. ولقد تحدث السيسى عن ذلك وأعلن أكثر من مرة أن الدولة لن تتستر على فاسد، وفى هذه الفترة علينا كناخبين أن نستفيد من الحراك السياسى المصاحب للانتخابات الرئاسية، وأن نفاضل بين برامج المرشحين، خاصة فيما يطرحونه لمحاربة الفساد فى مصر، وأن نتمسك بضرورة معرفة موقف المرشحين من حرية التعبير، والتى هى من الأدوات الرئيسية لفضح الفساد ومحاربته والقضاء عليه.
نقلا عن المصري اليوم القاهريه