توقيت القاهرة المحلي 03:55:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اسألوا الفلاحين

  مصر اليوم -

اسألوا الفلاحين

بقلم - مي عزام

منذ فترة حكى لى أحدهم عن موقف كان شاهد عليه، ليدلل به على أن المصرى معمارى بالجينات التي توارثها عبر الأجيال منذ العصور الفرعونية، حيث عاش أفضل معمارى في العالم حتى الآن. القاص كان يعيش في بلد خليجى، وكان ضمن العاملين في شركة إيطالية تقوم بتصميم وتنفيذ قصر فخم لأحد الأمراء، وعند التسليم تبين وجود عيب في سقف أحد أجنحة القصر، عجز المهندس المسؤول عن إصلاحه ولم يعد هناك بديل عن هدم الجناح وإعادة بنائه من جديد، وهذا يكلف الشركة مال ووقت وسمعة سيئة. كان هناك عامل مصرى يعمل في النقاشة، تقدم بفكرة لحل المشكلة وطلب 5 اآاف دولار مكافأة لو نجح في تنفيذها ،بالنسبة له كان هذا المبلغ «ثروة» وبالنسبة للشركة «فكة»،وافق المهندس فورا فلن يخسر شىء، لو فشل لن يدفع له، ولو نجح ستكون معجزة تنقذ الشركة وتضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد. وبالفعل نجح وكانت مكافأته عشرة آلاف دولار لا خمسة، أنهى محدثى حكايته مبتسما، وقال صحيح: «التعليم في الراس مش في الكراس»، رغم اعتراضى على المثل إلا أننى اتفق معه في أن الخبرة العملية مهمة، وهى نتاج تجربة وملاحظة ويمكن اعتبارها ببساطة نظرية علمية تم تجربتها في الحياة العملية الشعبية بعيدا عن أروقة الجامعات وجدران المعامل.
(2)
منذ أيام كنت في ضيافة أحد أبناء عمومتى، دار الحديث بعد الغذاء عن أزمة المياه وكيف سيؤثر ذلك على الزراعة مستقبلا في مصر وهم من ملاك الأراضى الزراعية، وهنا تدخل أبنه المسؤول عن أرض العائلة قائلا: لقد بدأنا في تغيير أسلوب الرى بالغمر إلى رى بالتنقيط، قدمنا على قرض من البنك لنبدأ لأن التكاليف كبيرة، أبى عارض في البداية، لكننى وضعت أمامه التكلفة والمزايا وكيف سنوفر مع الوقت ثلثى الماء والسماد فوافق في نهاية الأمر. أعجبنى تفكير الجيل الجديد وزكيته عند والده، وخاصة أننى كتبت من قبل عن ضرورة البحث عن وسائل يمكننا بها ترشيد استهلاك المياه في حياتنا اليومية، ودور الحكومة في دعم هذا الترشيد، وخاصة أن الأمر أصبح ملحا مع مخاطر تقليل حصتنا من مياه النيل بسبب سد النهضة. وأن على الحكومة أن تضع خريطة لاستهلاك المياه في مصر ومراعاة عدالة التوزيع على مستوى الجمهورية، فهناك قرى محرومة من مياه الشرب، وأخرى لا تأتيها المياه سوى سويعات قليلة في اليوم، في حين تتنافس الشركات العقارية في العاصمة والمحافظات الكبرى على تسويق منتجعات سكنية تحقق لسكانها حلم الحياة على ضفاف بحيرات صناعية وحمام سباحة لكل فيلا ومساحات خضراء تفوق الخيال!! ولا أعرف كيف سيتم توفير الماء اللازم لكل هذا؟.
(3)
ذكرت القصتين السابقتين لأدلل بهما على أن المصرى البسيط والمتعلم لديه وعى وخبرة ترسخت عبر الأجيال، ويمكن أن يكون داعما للحكومة، لو جعلته الحكومة شريكا لها في وضع تصور لمستقبل البلد في مختلف مناحى الحياة، المجتمع المدنى شريك للحكومات في جميع أنحاء العالم، ولكن في مصريخالف الأمر الواقع هذه الحقيقة، فيتم إقرار قوانين منظمة لعمل فئات دون مناقشة هذه القوانين مع الفئات المعنية والتى ستطبق عليها، وآخر مثال على ذلك تعديلات قانون الزراعة الذي اقره مجلس النواب، لم تتم مناقشته مع ممثلى الفلاحين لمعرفة نتائج تطبيقه، وهل هناك آثار سلبية له وكيف يمكن تفاديها قبل إقرار القانون، وكذلك بحث الحوافز التي ستقدمها الحكومة للفلاح لتشجعه على تطبيق القانون.
(4)
عماد أبوحسين نقيب الفلاحين أدلى بتصريحات صحفية انتقد فيها موافقة مجلس النواب بشكل نهائى على مشروع القانون المُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الزراعة الصادر بالقانون 53 لسنة 1966، والذى يعطى لوزير الزراعة بالتنسيق مع وزير الرى طبقا للسياسة العامة للدولة، الحق في أن يصدر قرارًا بحظر زراعة محاصيل معينة في مناطق محددة.
وقال أبوحسين، إن التعديل الجديد لم ينصف الفلاح كما شددت التعديلات التي تم إدخالها على العقوبة المترتبة على مخالفة القرارات التي تصدر، بأن أضافت عقوبة الحبس على مخالفة هذه القرارات بمدة لا تزيد على 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه عن الفدان أو كسور الفدان، أو بإحدى العقوبتين، وقد تضمنت العقوبة الحكم بإزالة المخالفة على نفقة المخالف، ما يعد تغليظًا للعقوبة مبالغا فيه، بمعنى أن هذه التعديلات «ستسجن الفلاحين وتخرب بيتهم كمان»، كما قال النقيب.
(5)
الحكومة تريد ترشيد الزراعات توفيرا للمياه، وهذا هدف لا يختلف عليه اثنان لأننا نعيش فقرا مائيا وننتظر الأسوأ، ولكن خطأ الحكومة يكمن في كيفية تحقيق الهدف، الحكومة تريد أن تحل مشكلة ترشيد المياه المستخدمة في الزراعة لكن على ألا يكون ذلك بخلق مشكلة مع الفلاحين.
القوانين تسن لمصلحة الناس كافة، ولو حدث تعارض بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة يكون الأولوية للمصلحة العامة، ولكن في حالة الفلاحين لا يمكن التجاوز عن مصلحتهم لأنهم القائمون على الأمن الغذائى لهذا الوطن، وهم أصحاب الخبرة في هذا المجال، ولو أرادت الحكومة أن تغير من أسلوب الرى لتوفير المياه فعليها أن تقدم حوافز وقروضا بدون فوائد للفلاحين ليبدأوا التغيير المراد بالإرشاد والتعليم والنصح وليس بتشديد العقوبات والغرامة.. وإلا سنستيقظ يوما لنجد فلاحينا قد هجروا الأرض لتصبح بورًا.

نقلًا عن المصري اليوم القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اسألوا الفلاحين اسألوا الفلاحين



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon