توقيت القاهرة المحلي 08:55:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أنا أقتل.. إذن أنا موجود

  مصر اليوم -

أنا أقتل إذن أنا موجود

بقلم : مي عزام

(1)

«الجوكر» الفيلم الذى يعرض بنجاح كبير، انتظره الملايين بشغف، وسبقته دعاية مجانية من الشرطة الأمريكية حين رفعت حالة التأهب، ونشرت قوات سرية فى صالات السينما وأمام دور العرض، خوفا من تكرار ما حدث فى عام 2012 حين فتح الشاب «جيمس هولمز» النار على المتفرجين فى إحدى دور العرض فى مدينة أورورا الأمريكية، والتى كانت تعرض أحد أفلام باتمان «صحوة فارس الظلام»، وقتل 12 شخصا وأصاب 70، متقمصا شخصية «الجوكر» الشريرة عدو «باتمان» فى سلسلة القصص المصورة التى بدأت قبل 80 عامًا.

(2)

فيلم «الجوكر» يدور حول شخصية «آرثر فيلك» المريض النفسى ضعيف البنية الذى يعانى من تنمر الآخرين عليه والاستهزاء به، وإحساسه بأن لا أحد يشعر بوجوده، يعمل مهرجا لكسب العيش، لكن حلمه أن يكون «كوميديان» يقدم فقراته على المسارح أمام الجمهور. بناء على نصيحة طبيبته النفسية يحتفظ بكراسة يدون فيها مذكراته، ويستخدمها فى الوقت ذاته لتدوين مقاطع تصلح من وجهة نظره لعرضها على الجمهور لاستدرار ضحكاتهم وإسعادهم، أما ضحكاته الممتدة فهى ليست دليلا على البهجة لكنها حالة مرضية يعانى منها.

(3)

نحن أمام شخصية مريضة نفسيًا، احتُجز لفترة طويلة فى إحدى المصحات ومازال تحت العلاج، يعيش مع أمه فى شقة مظلمة قبيحة فى مبنى أشد قبحا، فى مدينة جوثام، حيث الفقراء والأغنياء كلاهما سيئ ومتنمر، أولى جرائمه كانت صدفة، قتل ثلاثة شبان من المنتمين لعالم «وول ستريت» أوسعوه ضربا دون مبرر، بعد إذاعة الخبر فى وسائل الإعلام وأن القاتل كان يصبغ وجهه كالمهرجين، خرج العامة فى احتجاجات واسعة مرتدين قناع المهرج، متخذين من القاتل ملهمًا فى معركتهم ضد أثرياء مدينتهم وأصحاب النفوذ والسلطة.

الجرائم التالية لم تكن صدفة، أدرك «آرثر» أنه أصبح مرئيا بعد جريمته الأولى، فقتل بدم بارد كل من صور له عقله المريض أنه آذاه، البداية أمه، ثم زميل له فى العمل، وأخيرا المذيع الشهير الذى كان قدوة له لكنه استخف به فى برنامجه وكأنه يقضى على الدوائر المؤثرة فيه.

(4)

جسّد الممثل الأمريكى «جواكين فينيكس» دور الجوكر بطريقة يعجز معها المتفرج أن يتصور له بديلا، خفض وزنه 25 كيلو ليلائم الدور، وليبدو هزال الجسد متناسقا مع هذيان العقل وهلاوس النفس، «تود فيليبس»، مخرج الفيلم الذى شارك فى كتابته، قدم فيلما أمريكيا ظلاميا عنيفا، فيه هجاء للرأسمالية التى تسحق الفقراء والعجزة، والتى أوقفت برنامج العلاج النفسى الذى يتلقاه «آرثر» لخفض ميزانية الرعاية الطبية، وبالتالى لم يعد بإمكانه الحصول على الدواء، وهو قريب مما فعله ترامب حين ألغى مشروع «أوباما كير» للتأمين الصحى، ويتعرض لقضية حيازة السلاح التى لم يجرؤ رئيس أمريكى على إصدار قانون بتنظيمها رغم سقوط عشرات الأبرياء، وهو ما حدث فى الفيلم حين قدم زميل مسدس لـ«آرثر» ليحمى نفسه من المتنمرين، فكان سهلا عليه قتل ثلاثة شبان دفعة واحدة، كما يسخر الفيلم من الإعلام المضلل الذى يصنع نجوما من العدم، ولا يأبه لمشاعر الناس مادام ذلك يزيد أعداد المشاهدة.

(5)

اتهم النقاد الفيلم بالتحريض على العنف بتمجيد شخصية الجوكر القاتل المجنون، وإعطائها مبررا للقتل، وهو ما أنكرته الشركة المنتجة للفيلم فى بيان وزعته على وسائل الإعلام. السينما فى النهاية مرآة المجتمع، والعالم يعيش لحظة جنون، مفتقدا المعايير الأخلاقية، كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، الحروب تندلع هنا وهناك، يُقتل فيها الأبرياء وتُهدم البيوت وتُحرق الزراعات، كل ذلك من أجل مصالح وحفنة من الدولارات، مدبرو هذه الحروب أصحاب نفوذ وثروات وصناع قرارات، وهم ليسوا أقل شراً وجنوناً من شخصية «الجوكر» الذى يمثل المقابل لهم من العامة المقهورين، الذين قد يجد بعضهم أن الجوكر يمثلهم بل يصبح بطلهم وملهمهم، فأمثال هؤلاء يجدون أن مجتمعات الرأسمالية المتوحشة لا تلتفت إليهم ولا تراهم إلا حين يصبحون خارجين على القانون، رافعين شعار الجوكر: «أنا أقتل إذن أنا موجود».

شعار قد يدمر الإنسانية، وقد يجعلها تستيقظ من غيبوبتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنا أقتل إذن أنا موجود أنا أقتل إذن أنا موجود



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon