بقلم - مي عزام
(1) كان الإعلامى عمرو أديب يتحدث عن الانتخابات الرئاسية، وكيف أن علينا أن نقر بواقعية أن ليس هناك منافس للرئيس السيسى، واستمرار الأمر على هذا النحو أفضل من الزج بمرشح فى آخر لحظة كمحلل، وكعادته انتقل بذكاء إلى مشهد آخر ليعقد مقارنة توضح وجهة نظره وليعطى للمشاهدين مثالا عمليا على ازدواجية المعايير فى التعامل مع ما يحدث فى مصر وما يحدث فى الخارج. بطريقته الحماسية أبدى تشجيعه للعبة الحلوة ولو جاءت من النادى الأهلى (لأنه زملكاوى)، وأعطانا مثالا: بوتين وأردوغان، مع إبداء التحفظ على سلوكهما، اللعبة الحلوة بالنسبة لبوتين، رده على من انتقد عدم وجود منافسين له فى الانتخابات الرئاسية بقوله: «ليس دورى إيجاد منافس، ولكن هذا دور المعارضة»، كما ذكر أن الشرطة الروسية قبضت على المعارض الروسى «أليكسي نافالني»، ولم تقم الدنيا وتقعد مثلما يحدث عندنا، وبالنسبة لأردوغان، فلقد غزت القوات التركية منطقة عفرين السورية، وعيّن أردوغان ولاة في 3 مدن بشمال سوريا، وكل هذا تحت أعين الرئيس بشار الأسد والنظام العالمى.
(2)
اقتطاع الأحداث من سياقها لا يفيد بالعكس يضر بمهنية الإعلام ومصداقيته ويشوه الوعى، وهنا أعود لما ذكره «أديب» عن أن بوتين يتشابه مع السيسى فى عدم وجود منافس وتعامل الشرطة الخشن مع المعارضة، ولا أعرف لماذا تجاهل ذكر المظاهرات التى ضمت آلاف الروس واندلعت في أكثر من 100 مدينة روسية احتجاجا على ترشح بوتين لولاية رابعة، وطالب المتظاهرين بمقاطعة الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 مارس القادم، ووصفوها بأنها خدعة. هذه المظاهرات خرجت رغم رفض السلطات المحلية إعطاءها تصريحا، وتم تعامل الشرطة الروسية مع المتظاهرين باحترافية عالية ودون عنف، وأعتقد أن هذه هى اللعبة الحلوة، بوتين وأردوغان يدركان أنه لابد من ترك مساحة محسوبة للتنفيس، وهو ما لايحدث فى مصر، فهناك إصرار غريب من النظام على قمع أى نوع من أنواع التظاهر، ومنع الأصوات المعارضة للرئيس من الظهور فى الإعلام المرئى بل محاولة إخراجها من المجال العام. العام الماضى وفى الذكرى الأولى للانقلاب العسكرى فى تركيا تظاهر عشرات الآلاف من الأتراك لمدة ثلاثة أسابيع، قطعوا خلالها مسافة 250 ميلا دفاعاً عن الديمقراطية ورفعوا شعار «مسيرة من أجل العدالة» وكانت الشرطة تحميهم.
لم يؤثر ذلك على أردوغان ولم يقوض حكمه فى إيران، كانت هناك مظاهرات شعبية حاشدة ضد النظام، لكنها لم تسقط حكم الملالى رغم الدعم الإعلامى والسياسى الغربى لهذه المظاهرات، كل أنظمة الحكم لها معارضين، الأنبياء والرسل كان لهم معارضون، الله نفسه هناك من ينكر وجوده، فلماذا يجد النظام الحالى أن معارضته كارثة ستؤدى لانهيار الدولة المصرية وسقوطها؟، الأنظمة لا تسقط بالمعارضة ولكن تسقط لفشلها فيما وعدت به شعوبها وتفريطها فى حق الوطن والمواطن، وحين تستعدى كل الفئات عليها ولا يعد لها مؤيدون على الأرض.
(3)
بالعودة إلى ما ذكره «أديب»، عن ما يحدث فى الشمال السورى على يد أردوغان، والمقصود به تذكيرنا بالنعمة التى نعيش فيها: جيشنا وطني قوى قادر على الحفاظ على أرضنا وحدودنا، وهذا شىء جيد لكن لاعلاقة له بما يحدث فى سوريا، فما يحدث هناك حرب عالمية مصغرة، وليست تركيا وحدها التى تعتدى على سيادة سوريا ولكن هناك أطرافا إقليمية ودولية عدة لها قواعد وقوات موالية وتابعة لها تدير الأمر على الأرض بعيدا عن سيطرة النظام السورى، وهذا حدث من قبل فى العراق، بعد الغزو الأمريكى. أنا لا أدافع عن التدخل التركى بل أراه مخزيا، ولكننى أجد أن النظام العالمى كله فاشل ومخزى ولا يسير وفق أى معايير أخلاقية، يرفع سلاح حقوق الإنسان والديمقراطية فى وجه الدول الضعيفة والتابعة فقط. وهنا لابد أن نكون واقعيين وصادقين حين نعلق على الأحداث، وحين نقارن أنفسنا بروسيا وتركيا، لأن هناك فرقا، روسيا تتعرض لعقوبات اقتصادية من أمريكا وعدد من الدول الأوروبية منذ ضمها شبه جزيرة القرم التى كانت فى حيازة أوكرانيا، ورغم ذلك لم تنهار بل وسعت دائرة نفوذها على حساب الغرب، وكذلك تركيا، التى تلقت صفعة قوية بعد رفض انضمامها إلى الاتحاد الأوروبى، فسارعت بالبحث عن حلفاء جدد خارج المعسكر الغربى يساندونها فى مشروعها. «روسيا بوتين» استطاعت أن تستعيد بعضا من نفوذ ودور الاتحاد السوفيتى السابق، و«تركيا أردوغان» أثبتت أنها لاعب إقليمى لا يمكن إغفاله، وهى متواجدة عند التخطيط لمستقبل سوريا وفيما يخص أى تسوية لأكراد سوريا والعراق، ولم يحدث هذا إلا بعد أن نجحت الدولتان فى تحسين الاقتصاد ونموه على يد الزعيمين بوتين وأردوغان.
(4)
مصر مكبلة بأعباء ضخمة، لم تستطع أن تقدم نموذجا يحتذى به فى التنمية الاقتصادية أو التحول الديمقراطى بعد ثورة يناير، توسيع نطاق النفوذ له مقومات لا نمتلكها الآن، ولذا علينا أن نتعامل بواقعية مع وضعنا فى المنظومة العالمية التى لا تعترف إلا بالأقوياء وأصحاب النفوذ، كما طالبنا السيسى فى التعامل بواقعية مع فقرنا، علينا أن لا نطالب العالم أن يرانا بصورة غير حقيقتنا فليس لدينا أدوات ضغط أو نقاط قوة، لكن لدينا وسيلة متاحة أن نكون بالفعل ما نريد أن يكتب عنا: دولة تلتزم بالدستور والقانون والحريات وتحارب الفساد وتحترم مواطنيها وتحميهم.
(5)
السيسى (المرشح الرئاسى) قدم لنا فى مؤتمر «حكاية وطن» قائمة طويلة بإنجازاته، لكننا ننتظر أن يقدم لنا مراجعة عن الأخطاء التى حدثت فى فترة ولايته الأولى، وكيف سيتعامل مستقبلا مع حرية التعبير وحيادية الإعلام، وهل سيستمر الأمن فى رفض التظاهر وتعقب شباب الأحزاب والمعارضة؟ مصر ستظل تواجه الإرهاب ومؤامرات دولية، ونجاح النظام الحاكم يظهر فى كيفية إدارة هذه الصراعات بحكمة معاوية ودهاء مكيافيلى وليس بغطرسة صدام أو حماقة القذافى.
نقلا عن المصري اليوم القاهريه