بقلم : مي عزام
(1)
تختلف الدول والشعوب فى نظرتهم للضرائب والمتهربين منها. الدول المتقدمة تعتبر التهرب الضريبى من الكبائر؛ فهو سرقة للمال العام وتخلٍّ عن المشاركة المجتمعية، التهرب الضريبى يعوق الدولة عن القيام بدورها نحو المواطنين المحتاجين للمساعدة وتقديم الخدمات بشكل لائق للجميع، الضريبة فى عصرنا نوع من أنواع الكفالة والعدالة الاجتماعية. سمعنا كثيرا عبارة: «لو التزم المسلمون بزكاتهم لما وُجد فى بلاد المسلمين فقير» أو« لو طبقت الدولة نظاما ضريبيا عادلا ونجحت فى القضاء على التهرب الضريبى لاستطاعت أن تقوم بواجبها نحو الفقراء»، فى ذلك بعض المبالغة، فمشكلة الفقر حلها ليس مرهونا فقط بإرادة الأغنياء وتبرعاتهم والتزامهم بدفع الضرائب أو الزكاة والصدقات، ولكن محاربة الفقر تحتاج منظومة متكاملة: اقتصادية وسياسية واجتماعية تنفذها الدول وتحترمها الشعوب ويكون من بينها نظام ضريبى عادل وحازم. مع التقدم التكنولوجى المذهل، سيكون لزامًا علينا تغيير كل المنظومات القديمة، والاستعانة بأفكار جديدة وخلاقة تتوافق مع الواقع الجديد.
(2)
المؤرخ والكاتب الهولندى الشاب «روجر سى بريجمان» قدم فى كتابه «يوتوبيا للواقعيين: وكيف يمكننا الوصول إلى هناك» عدة أفكار مثالية لتحسين عالمنا ليصبح يوتوبيا، ويذكرنا بأن هذه الأفكار المثالية والتى تبدو خيالية كانت دافع الإنسانية للتقدم، ويضيف: إن الشعوب هى محركات التاريخ، وإن الأفكار هى التى تحرك تلك الشعوب وتقودها، وعليه فإن مهمة أى مفكر تقدمى تقضى بجعل غير الوارد من الأمور ممكناً، وإعادة التركيز الدائم على رسم أفق مستقبل أفضل».
وتابع: إن أول ما ينبغى الإقرار به هو أن الفقر مكلف للغاية، وإذا بحثنا عن تكلفة زيادة دخل عموم فقراء بلد ما، سنجد أنها قد تكلفنا حوالى 1% فقط من إجمالى الناتج القومى. يمكننا القضاء على الفقر بإعادة توزيع الدخل الأساسى وتوزيع المسؤوليات ومنح الناس حرية القرار. ويروى الكاتب تجربة حدثت فى مايو عام 2009 فى لندن، حيث كان هناك 13 رجلا بلا مأوى، كانت الدولة تتكلف 400 ألف جنيه إسترلينى سنويا لرعايتهم وحل مشاكلهم، ثم جاءت مؤسسة خيرية وأعطت كلا منهم مبلغ 3 آلاف جنيه إسترلينى لينفقها كما يحلو له. وفى غضون عام، أصلحوا جميعا حياتهم وأصبحوا أعضاء منتجين فى المجتمع باستثناء بعضهم، ويجزم «بريجمان» بأن الناس ليسوا أغبياء، لكن ربما يتخذون قرارات سيئة بفعل ضغوط الفقر.
(3)
تستند فصول كتاب اليوتوبيا على عدة أفكار يمكن أن تغير واقع الإنسانية إلى الأفضل، أولاها فكرة الدخل الأساسى، مبلغ ثابت يمنح لجميع المواطنين بصرف النظر عن وضعهم الوظيفى، والثانية خفض ساعات العمل إلى 15 ساعة أسبوعياً، وهنا يشير إلى مقايضتنا الوقت بالأشياء، مؤكداً أنه فى إطار شهوة الاستهلاك، اخترنا قضاء وقتٍ أطول لننتج سلعاً تهدر، بدلاً من إنتاج فقط ما نحتاج إليه فى وقت أقل وبإتقان أكثر، وأصبحنا عالقين جميعاً فى أسر «الوظائف التافهة» التى تسدد ثمن أشياء لا نريدها أو نحتاج إليها. الفكرة الثالثة فتح الحدود بين الدول، ويلاحظ الكاتب أن العنصر الأبرز فى تحديد ظروف المرء لا يرتبط بمدى الجهد المبذول فى العمل أو مكان الدراسة، بل يرتبط أكثر بمكان الولادة وجواز السفر، ويرى الكاتب أن أفضل مساعدة يمكن للغرب أن يقدمها للفقراء، فى العالم الأقل نموا (العالم الثالث)، هو منحهم فرصة الوصول إلى أراضيه والعيش فيها والاستفادة مما تحققه من مزايا للفرد.
(4)
ويركز الكاتب على أن ما وصلنا إليه جعلنا كسالى. الناس قديما كانوا يحلمون باليوتوبيا لأن حياتهم كانت بائسة جدا. ولكن الآن أصاب الجميع الملل. لقد فقدنا الإرادة لتغيير المجتمع نحو الأفضل. «روجرسى بريجمان» يدعو لاتخاذ الحلم على محمل الجد، الحلم بعالم يختفى فيه الفقر، ويمتلك فيه الإنسان ساعات عمره ليفعل بها ما يشاء ويستمتع بها على قدر طاقته، فى عالم مفتوح أمام الجميع، بلا قيود على التنقل واختيارالمصير. ربما أفكار الكاتب صعبة التنفيذ لكنها محفزة للأمل، وما أحوجنا فى مصر أن نفكر بالأمل!.