بقلم - مي عزام
ستطوى الذاكرة خبر مقتل خاشقجى بعد حين، وسيقوم النسيان بدوره المعتاد، وستحصى الدول المعنية خسائرها وغنائمها، فمقتل خاشقجى مثلث أضلاعه: السعودية، تركيا وأمريكا، وسيتجلى بعد حين الجزء الغاطس من قمة جبل الجليد.. لنكتشف أن الأمر أكبر من مقتل معارض وأهم من تحقيق العدالة وتهدئة الضمير العالمى.
(2)
تذكرنى قضية خاشقجى بمسرحية الملك لير، وهى مأساة بكل ما تحمله الكلمة، فكل أبطالها الضالعين فى لعبة السلطة كان مصيرهم الموت: من تخلى عنها بحثا عن حق الرفاهية بلا مسؤولية، ومن تلقفها مخادعا وأرفق بها شهوة النفس وجحودها، ومن حُرم منها لقلة حكمته وعدم مرونته، ومن حصل عليها بالمؤامرة ونسج الأكاذيب.. الناجون الثلاثة هم من رفضوا اللعبة من البداية ولم تنزلق أقدامهم فى الغواية.
(3)
مقتل خاشقجى غواية، مثل للسعودية امتحانا، أسئلته إجبارية وعليها أن تجيب لتتجاوزه، وبالنسبة لتركيا كان فرصة للتفاوض حول مكاسب سعت إليها، وبالنسبة لأمريكا وسيلة للضغط للحصول على ما لم تعلن عنه بعد.. أما قطر الإمارة الصغيرة صاحبة صوت الجزيرة العالى، فهى تحاول أن تستفيد من الأمر على طريقة إدموند فى مسرحية الملك لير.
(4)
مقتل خاشقجى تم التعامل معه بنفس أسلوب قنبلة الدخان، التى تلقيها الأجهزة الأمنية لتفريق المتظاهرين، والتى تؤثر على وضوح الرؤية، فماذا بعد أن تنقشع آثار الدخان؟ وما المستجدات التى سنفاجأ بها على أرض الواقع؟
رغم بشاعة الحادث وهمجيته إلا أنه أثبت من جديد أن العلاقات بين الدول تقوم على المصالح فقط، فليس هناك عدو دائم ولا صديق أبدى، وأن المرونة وسرعة الاستجابة للأحداث واستغلال الفرص المتاحة من سمات الزعيم السياسى الناجح حتى لو اختلفنا معه أخلاقيا، ولقد تابعنا نجاح أردوغان فى إدارة المشهد داخليا وعالميا، وأخيرا أثبت أن ثقة المحكومين فى الحاكم والرضا الشعبى عنه، هما صمام الأمان الوحيد لاستقرار الحكم واستمرار شرعيته، والمعارضة جزء لا يتجزأ من الشعب، وعلى أى حاكم أن يدرك أن محاولة إزاحة المعارضة بالقوة الغاشمة ممكنة، لكن نتائجها غير مضمونة العواقب، كما أن فوائدها أقل من الخسائر الناتجة عنها، فهى تشوه صورته وتحجب إنجازاته.
(5)
الحديث عن التغيرات التى ستشهدها المملكة وإعادة ترتيب البيت السعودى تكهنات لا يملك أحد تأكيدها أو نفيها، وفى النهاية أهل مكة أدرى بشعابها، ولكن أريد هنا أن أتحدث عن مصر، التى أعلنت رسميا مساندتها للمملكة، والأخيرة حليف لمصر ومواقفهما تجاه العديد من الملفات الإقليمية متطابقة، فماذا لو حدث تعارض بينهما مستقبلا جراء تفاهمات بين المملكة وتركيا وحليفتها قطر؟ ماذا سيكون موقف مصر واستجابتها للأمر، من المؤكد أن السيسى يراقب ما يحدث عن كثب، ولديه من المعلومات ما ليس فى حوزة أى كاتب أو محلل سياسى، والمؤكد أيضا أنه يبحث كل السيناريوهات والبدائل حيال المستقبل القريب، والذى أعتقد أنه سيشهد متغيرات على الساحة الإقليمية والدولية، فالعالم كله ينطبق عليه عبارة «بطنه مفتوحة» أمريكا وحربها الباردة مع الصين، صعود اليمين الشعبوى، صراعات الهوية، أزمة المهاجرين، حرب الأسواق، النظام العالمى الذى أوشك على الانهيار وما سيتبعه من تغيرات فى مناطق النفوذ والقوى المهيمنة.
(6)
العالم الذى نعيش فيه يموج بالتغيرات والتقلبات، ومصر جزء منه، ولا عاصم لها من هذه التقلبات إلا بوحدة وتماسك الجبهة الداخلية وقدرتها على التحمل والصبر، وهذه الجبهة تتعرض لضغوط هائلة بفعل أطراف خارجية وأخرى داخلية وهى الأكثر تأثيرا والناتجة عن ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل غير مسبوق وأيضا القيود على حرية التعبير ومشاركة المجتمع المدنى وتجريم حق المعارضة فى التعبير عن رؤيتها لمستقبل مصر جنبا إلى جنب مع الحكومة، رغم أن كليهما هدفه المعلن خير مصر، فقدان الثقة بين الطرفين يجب أن ينتهى، والحفاظ على التماسك والسلام المجتمعى يجب أن يكون أهم أهداف النظام والحكومة وهو السبيل الوحيد لاستقرار حقيقى يحقق التنمية والإنجاز ولنا فى مقتل خاشقجى مثال.
نقلا عن المصري اليوم