توقيت القاهرة المحلي 09:04:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

The post.. الصحافة في خدمة المحكومين لا الحُكّام

  مصر اليوم -

the post الصحافة في خدمة المحكومين لا الحُكّام

بقلم : مي عزام

(1)
كثيرون في مصر وجدوا في فيلم «ذى بوست» ضالتهم، الفيلم من إخراج مخرج الروائع ستيفن سبيلبرج، يذكرنا بدور الصحافة والمواقف الشجاعة للقائمين عليها، ولقد قُوبل بحفاوة كبيرة من أصحاب المهنة في مصر، التي تعانى من تشوه بغيض، وفقدان لهويتها ودورها، الصحافة المصرية أصبحت كالتائهة في بحر الظلمات، تنتظر فجرا تستعيد معه مسارها ومسيرتها. دور الصحافة المصرية وأهدافها ولمصلحة من تعمل، أصبحت أسئلة محل جدل ونزاع، الصحف تطبق ما يسمى بكتاب الأسلوب «ستايل بوك» وهو أشبه بدستور الصحيفة، وعليها أن تلتزم بما جاء به من معايير وأهداف ولكن هذا لا يحدث في مصر. في فيلم «ذى بوست» ذكرت مالكة الجريدة كاى جراهام (ميريل ستريب) أهم ما جاء في هذا الكتاب حين قالت: «الصحيفة ملتزمة بالمهنية والإجادة في جمع المعلومات ونشرها وهى مكرسة لمصلحة الأمة ولمبادئ حرية الصحافة، وبناء على ذلك اتخذت موقفها من نشر وثائق سرية خاصة بالبنتاجون وعرضت الجريدة للمساءلة القانونية وغضب الرئيس الأمريكى نيكسون في هذا الوقت». 
(2) 
الفيلم يجرى في كواليس الصحافة، ويتعرض للعلاقة بين الصحفى والمسؤول، ولمواقف يجد فيها الصحفى أو الناشر نفسه في حيرة بين التزامه المهنى وصداقته لمسؤول، كما حدث لكاى جراهم مع وزير الدفاع روبرت ماكنمارا، وهو صديق لها ولزوجها المتوفى وأقرب مستشاريها، وهى على وشك اتخاذ قرار نشر تقارير سرية عن حرب فيتنام تدينه أمام الرأى العام.
نشر وثائق تدين النظام الحاكم دليل على شجاعة المسؤولين عن أي الجريدة، لكننى أجد أن الأكثر شجاعة هو الموظف الذي قدم هذه الوثائق للصحف، الشجاعة تفيد الصحف وتجعلها أكثر شعبية وصيتا، لكن في حالة الموظف فهو يعرض مستقبله وأمانه الشخصى للخطر، لأنه خان أمانة وظيفته وسرب تقارير اطلع عليها بحكم عمله، وهو في هذه الحالة دانيال إلسبرج (ماثيو ريس) شخص تم تكليفه بالذهاب إلى فيتنام، ليقدم تقارير إلى مكنمارا فيما يخص الحرب ومجرياتها، وكان يعمل في مؤسسة راند التي تعمل بدورها لحساب وزارة الدفاع الأمريكية، هذا الشخص ظل لشهور ينسخ التقارير التي ُجمعت خلال سنوات (الفيلم أحداثه تدور في عام 1971) وسربها للجرائد، ووجهت إليه بعدها تهمة بموجب قانون التجسس المعمول به في أمريكا إلى جانب اتهامات أخرى بالسرقة والتآمر، حيث بلغ مجموع الأحكام التي صدرت ضده السجن لمدة 115 عاما. ولكن بسبب سوء الأداء الحكومي وجمع الأدلة بصورة غير قانونية ولوجود دفاع قوى عنه، رفض القاضي جميع التهم الموجهة ضده في 11 مايو 1973.. وأنا أعتبر دانيال بطل الواقعة، فهو رعم المخاطر الذي كان يدرك أنه سيتعرض لها، لم يتردد في أن يطلع الشعب الأمريكى على هذه الوثائق ليضع حدا لحرب فيتنام، التي استمر عدد من الرؤساء الأمريكيين فيها رغم معرفتهم بفشلها، حتى لا يكون ذلك مهينا لصورة أمريكا، ضحى دانيال بمستقبله وحريته ليضع حدا لهذه الحرب القذرة التي راح ضحيتها مئات من الشباب الأمريكى.
(3)
ظل دانيال إلسبرج على مبادئه، وأصبح ناشطا سياسيا، وحصل على جائزة رايت ليفيلهوود (جائزة نوبل البديلة ) عام 2006 وهي جائزة دولية لتكريم ودعم أولئك الذين يقدمون إجابات عملية ومثالية للتحديات الأكثر إلحاحا التي تواجهنا في مجالات: حماية البيئة، وحقوق الإنسان، والتنمية المستدامة، والصحة، والتعليم، والسلام، ومن الطبيعى أن يدعم إلسبرج أمثال: إدوارد سنودن، الموظف السابق في المخابرات الأمريكية، والذى فضح برامج تجسس بلده على المواطنين الأمريكيين والعالم أجمع، بعد أن تأكد أن هدفها ليس تأمين أمريكا أو محاربة الإرهاب لكن فرض السيطرة والهيمنة والنفوذ، وكذلك الأسترالى جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس، والأمريكية تشيلسي مانينج، المدانة بتسريب آلاف الوثائق الخاصة بالجيش الأمريكي لويكيليكس (كانت رجلا وتحول إلى امرأة). هؤلاء جميعا يعتبرهم دانيال المدافعين عن حق المواطن في معرفة ما يدور في كواليس الحكم، ويعتبرهم آخرون خونة ومتآمرين على دولهم، يعرضون أمنها القومى للخطر ويستحقون أقصى عقوبة. وأنا أعتبرهم جنود المحكومين وليس الحُكام، وهى نفس مهمة الصحافة، فهم لم يبيعوا أسرار بلادهم مقابل مال أو وظيفة، بالعكس، خسروا أموالا ووظائف وحياة ناعمة آمنة. 
(4) 
لم أبتعد بهذه التفاصيل عن موضوع فيلم «ذى بوست» ورسالته التي جاءت مباشرة في نهاية الفيلم على لسان القاضي الذي حكم في قضية نشر النيويورك تايمز والواشنطن بوست لوثائق سرية حين قال: أعطى الآباء المؤسسون الصحافة الحرة الحماية اللازمة وفاءً لدورها الأساسي في ديمقراطيتنا، الصحافة وجِدت لخدمة المحكومين وليس الحُكّام، والحقيقة أن جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها وجدت لخدمة المحكومين وليس الصحافة فقط، وحين لا يلتزم الرئيس ونظامه الحاكم بالقوانين فإن فضحه ليس خيانة للوطن ولا يعرض أمنه للخطر، لكن الخطر الحقيقى هو تجاوز النظام الحاكم للقانون واستبداده. لم أحب فيلم «ذى بوست» رغم أنه ممتاز فنيا لكننى شعرت بأنه مصطنع، حتى أداء النجمان ميريل ستريب وتوم هانكس شابه التصنع، مشاهد صالة التحرير بجريدة الواشنطن بوست في سبعينيات القرن الماضى والمطبعة حيث يتم جمع الحروف بالزنك الغائر والذى لم يعد موجودا، شهادة تقدير للمخرج ستيفن سبيبلبرج الذي حاول أن يرد الاعتبار للصحافة في زمن ترامب الذي يناصبها العداء. 

نقلاً عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

the post الصحافة في خدمة المحكومين لا الحُكّام the post الصحافة في خدمة المحكومين لا الحُكّام



GMT 09:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 08:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 08:24 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 08:21 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 08:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

جرعة تفاؤل!

GMT 08:18 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon