توقيت القاهرة المحلي 02:18:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

The post.. الصحافة في خدمة المحكومين لا الحُكّام

  مصر اليوم -

the post الصحافة في خدمة المحكومين لا الحُكّام

بقلم : مي عزام

(1)
كثيرون في مصر وجدوا في فيلم «ذى بوست» ضالتهم، الفيلم من إخراج مخرج الروائع ستيفن سبيلبرج، يذكرنا بدور الصحافة والمواقف الشجاعة للقائمين عليها، ولقد قُوبل بحفاوة كبيرة من أصحاب المهنة في مصر، التي تعانى من تشوه بغيض، وفقدان لهويتها ودورها، الصحافة المصرية أصبحت كالتائهة في بحر الظلمات، تنتظر فجرا تستعيد معه مسارها ومسيرتها. دور الصحافة المصرية وأهدافها ولمصلحة من تعمل، أصبحت أسئلة محل جدل ونزاع، الصحف تطبق ما يسمى بكتاب الأسلوب «ستايل بوك» وهو أشبه بدستور الصحيفة، وعليها أن تلتزم بما جاء به من معايير وأهداف ولكن هذا لا يحدث في مصر. في فيلم «ذى بوست» ذكرت مالكة الجريدة كاى جراهام (ميريل ستريب) أهم ما جاء في هذا الكتاب حين قالت: «الصحيفة ملتزمة بالمهنية والإجادة في جمع المعلومات ونشرها وهى مكرسة لمصلحة الأمة ولمبادئ حرية الصحافة، وبناء على ذلك اتخذت موقفها من نشر وثائق سرية خاصة بالبنتاجون وعرضت الجريدة للمساءلة القانونية وغضب الرئيس الأمريكى نيكسون في هذا الوقت». 
(2) 
الفيلم يجرى في كواليس الصحافة، ويتعرض للعلاقة بين الصحفى والمسؤول، ولمواقف يجد فيها الصحفى أو الناشر نفسه في حيرة بين التزامه المهنى وصداقته لمسؤول، كما حدث لكاى جراهم مع وزير الدفاع روبرت ماكنمارا، وهو صديق لها ولزوجها المتوفى وأقرب مستشاريها، وهى على وشك اتخاذ قرار نشر تقارير سرية عن حرب فيتنام تدينه أمام الرأى العام.
نشر وثائق تدين النظام الحاكم دليل على شجاعة المسؤولين عن أي الجريدة، لكننى أجد أن الأكثر شجاعة هو الموظف الذي قدم هذه الوثائق للصحف، الشجاعة تفيد الصحف وتجعلها أكثر شعبية وصيتا، لكن في حالة الموظف فهو يعرض مستقبله وأمانه الشخصى للخطر، لأنه خان أمانة وظيفته وسرب تقارير اطلع عليها بحكم عمله، وهو في هذه الحالة دانيال إلسبرج (ماثيو ريس) شخص تم تكليفه بالذهاب إلى فيتنام، ليقدم تقارير إلى مكنمارا فيما يخص الحرب ومجرياتها، وكان يعمل في مؤسسة راند التي تعمل بدورها لحساب وزارة الدفاع الأمريكية، هذا الشخص ظل لشهور ينسخ التقارير التي ُجمعت خلال سنوات (الفيلم أحداثه تدور في عام 1971) وسربها للجرائد، ووجهت إليه بعدها تهمة بموجب قانون التجسس المعمول به في أمريكا إلى جانب اتهامات أخرى بالسرقة والتآمر، حيث بلغ مجموع الأحكام التي صدرت ضده السجن لمدة 115 عاما. ولكن بسبب سوء الأداء الحكومي وجمع الأدلة بصورة غير قانونية ولوجود دفاع قوى عنه، رفض القاضي جميع التهم الموجهة ضده في 11 مايو 1973.. وأنا أعتبر دانيال بطل الواقعة، فهو رعم المخاطر الذي كان يدرك أنه سيتعرض لها، لم يتردد في أن يطلع الشعب الأمريكى على هذه الوثائق ليضع حدا لحرب فيتنام، التي استمر عدد من الرؤساء الأمريكيين فيها رغم معرفتهم بفشلها، حتى لا يكون ذلك مهينا لصورة أمريكا، ضحى دانيال بمستقبله وحريته ليضع حدا لهذه الحرب القذرة التي راح ضحيتها مئات من الشباب الأمريكى.
(3)
ظل دانيال إلسبرج على مبادئه، وأصبح ناشطا سياسيا، وحصل على جائزة رايت ليفيلهوود (جائزة نوبل البديلة ) عام 2006 وهي جائزة دولية لتكريم ودعم أولئك الذين يقدمون إجابات عملية ومثالية للتحديات الأكثر إلحاحا التي تواجهنا في مجالات: حماية البيئة، وحقوق الإنسان، والتنمية المستدامة، والصحة، والتعليم، والسلام، ومن الطبيعى أن يدعم إلسبرج أمثال: إدوارد سنودن، الموظف السابق في المخابرات الأمريكية، والذى فضح برامج تجسس بلده على المواطنين الأمريكيين والعالم أجمع، بعد أن تأكد أن هدفها ليس تأمين أمريكا أو محاربة الإرهاب لكن فرض السيطرة والهيمنة والنفوذ، وكذلك الأسترالى جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس، والأمريكية تشيلسي مانينج، المدانة بتسريب آلاف الوثائق الخاصة بالجيش الأمريكي لويكيليكس (كانت رجلا وتحول إلى امرأة). هؤلاء جميعا يعتبرهم دانيال المدافعين عن حق المواطن في معرفة ما يدور في كواليس الحكم، ويعتبرهم آخرون خونة ومتآمرين على دولهم، يعرضون أمنها القومى للخطر ويستحقون أقصى عقوبة. وأنا أعتبرهم جنود المحكومين وليس الحُكام، وهى نفس مهمة الصحافة، فهم لم يبيعوا أسرار بلادهم مقابل مال أو وظيفة، بالعكس، خسروا أموالا ووظائف وحياة ناعمة آمنة. 
(4) 
لم أبتعد بهذه التفاصيل عن موضوع فيلم «ذى بوست» ورسالته التي جاءت مباشرة في نهاية الفيلم على لسان القاضي الذي حكم في قضية نشر النيويورك تايمز والواشنطن بوست لوثائق سرية حين قال: أعطى الآباء المؤسسون الصحافة الحرة الحماية اللازمة وفاءً لدورها الأساسي في ديمقراطيتنا، الصحافة وجِدت لخدمة المحكومين وليس الحُكّام، والحقيقة أن جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها وجدت لخدمة المحكومين وليس الصحافة فقط، وحين لا يلتزم الرئيس ونظامه الحاكم بالقوانين فإن فضحه ليس خيانة للوطن ولا يعرض أمنه للخطر، لكن الخطر الحقيقى هو تجاوز النظام الحاكم للقانون واستبداده. لم أحب فيلم «ذى بوست» رغم أنه ممتاز فنيا لكننى شعرت بأنه مصطنع، حتى أداء النجمان ميريل ستريب وتوم هانكس شابه التصنع، مشاهد صالة التحرير بجريدة الواشنطن بوست في سبعينيات القرن الماضى والمطبعة حيث يتم جمع الحروف بالزنك الغائر والذى لم يعد موجودا، شهادة تقدير للمخرج ستيفن سبيبلبرج الذي حاول أن يرد الاعتبار للصحافة في زمن ترامب الذي يناصبها العداء. 

نقلاً عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

the post الصحافة في خدمة المحكومين لا الحُكّام the post الصحافة في خدمة المحكومين لا الحُكّام



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon