هناك حوار محفور فى ذاكرتى من رواية إرنست همنجواى «الشمس تشرق أيضا» بين اثنين من أبطال العمل:
«مايكل»: كيف أفلست؟ «حين سأل» بيل.
فأجابه الأخير: بطريقتين.. تدريجيا ثم فجأة.
الإفلاس السياسى يحدث بنفس الطريقة، والمفاجأة ترتبط دوما بهروب الحلفاء وتخليهم عن مرشحهم الذى يواجه إفلاسه وحيدا ضائعا ومرتبكا.
(2)
«أسبوع أسود» مر على الرئيس الأمريكى ترامب بعد إدانة محاميه الشخصى «مايكل كوهين» ومدير حملته الرئاسية سابقا «بول مانافورت» الصفقة التى قدمها لهما المحقق «روبرت مولر»، والتى سيتم بمقتضاها تقديمهما لمعلومات سرية وخاصة بترامب مقابل تحسين موقفهما القانونى إزاء التهم الموجهة إليهما.
العالم كله يترقب سقوط ترامب، وهل سيكون فى غضون أسابيع قليلة، أم يمتد إلى العام المقبل، وهل يقدم استقالته مثل نيكسون أم يعزله مجلس النواب؟ كل السيناريوهات محتملة، لكن المؤكد أن ترامب لن يكون المرشح الرئاسى الجمهورى فى انتخابات 2020.
(3)
فى مقابلة تليفزيونية أجراها ترامب مؤخرا مع قناة فوكس، توقع أن يؤدى عزله إلى الإضرار باقتصاد بلاده، وتعطل الأسواق المالية، وأضاف:«أعتقد أن الجميع سيكونون فقراء، وسترون أرقاما لن تصدقوها».
حديث ترامب ذكرنى بعدد من زعماء العالم الثالث، الذين يتحدثون نفس اللغة، ويربطون بين وجودهم واستقرار بلادهم وتنميتها، ويروّجون لأكذوبة عدم وجود بديل لهم، وبدونهم ستعم الفوضى والخراب.
(4)
الفرق بين ترامب وأى رئيس مستبد فى العالم الثالث يتمثل فى قوة مؤسسات الدولة ودور الإعلام فى توعية الشعب الأمريكى، وأعطاء الفرصة للخبراء والمحللين لمناقشة وتوضيح الحقيقة للمواطنين، فلقد علق «إيفان فينسيث»، وهو كبير المحللين الاستراتيجيين للسوق فى شركة «تيجريس فاينانشال إنتلجنس» قائلا: «يبدو أن السوق تتجاهل خلافات الرئيس ترامب اللامحدودة وتعليقاته المجنونة»، وأكد «أوليفر جونز»، الخبير الاقتصادى فى كابيتال إيكونوميكس، أنه فى حال تراجع الأسواق بشكل كبير، فلن يكون ذلك بسبب ترامب، لكن لأسباب أخرى.
(5)
أعتقد أن فوز ترامب بانتخابات 2016 لم يكن صدفة، بل جزءا من خطة مقصود بها إحداث تغيرات جذرية تجاه عدد من الملفات الدولية المتعلقة بعلاقات أمريكا بحلفائها التقليديين ومنافسيها المحتملين، والخروج الآمن من معاهدات دولية، أبرمها الرئيس السابق أوباما، وجدت جماعات أمريكية نافذة أنها تضر بمصالحها، واختارت، وساندت ترامب للقيام بهذا الدور، وهذا التصور لا يقلل من قوة أمريكا الحقيقية التى تستحق الثناء، وهى قدرتها على النقد الذاتى وتصحيح المسار، ومساءلة رئيس الدولة واستبعاده فى حال ثبوت تورطه فيما يسىء إلى القيم الأمريكية وصورتها.
(6)
يجعلنا ذلك نفكر فى وضع الرئيس السورى بشار الأسد الذى ما زال يتمسك بالسلطة، ويروج مؤيدوه وحلفاؤه لفكرة أن وجوده هو السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة سوريا، ربما كان ذلك ضروريا فى مرحلة سابقة، لكن الآن وبعد أن سيطرت الدولة على معظم التراب السورى وطردت الجماعات الإرهابية من مواقعهم الحصينة، ولم يبق إلا جيوب صغيرة على وشك التطهير، أجد أن على الرئيس السورى أن يفكر فى مستقبل بلاده ومصلحتها وليس مستقبله ومصلحته، الأسد ليس الرمز المناسب للمرحلة القادمة التى تحتاج لرئيس تتوافق عليه جموع الشعب السورى، وتقبل بقيادته للبلاد والتعاون معه، ولا تنازعه فى شرعيته بسبب عداوات سابقة وحروب أهلية.
ولماذا لا نؤمن بأن دورًا يمضى ودورًا يجىء، والأرض قائمة إلى الأبد؟!
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع