بقلم - مي عزام
(1)
تتواكب ذكرى ثورة يناير هذا العام مع جدل حول تعديلات دستورية مقترحة.
ثورتنا جاءت فى سياق ثورات الربيع العربى التى واكبت التخطيط لتغيرات جذرية فى المنطقة، من قبل قوى دولية، وهو ما لم ننتبه إليه.
كان سقف أحلامنا السماء، فلم نلتفت إلى ما يدبر لنا. الثورات لها دورة حياة: لحظة ميلاد ونمو ونهاية.
ثورتنا ولدت فى ظرف محلى وإقليمى ودولى مناسب، لكنها تعثرت فى النمو نتيجة أسباب كثيرة، لكن ذلك يجب ألا يُعمينا عن مدى التغيير الذى أحدثته، ولا نشعر به لأننا نعيشه بالفعل.
(2)
الأحلام عصية على السرقة. والأفكار لا تموت. ما زالت ثورة يناير تمثل إلهامًا حقيقيًا للمصريين، وما زالت الحلم الذى يرافقنا، لكنه يحتاج إلى الصبر والأمل.
الثورات فعل مستمر، وحتى يستمر لا بد أن يبدأ بك، بأن يكون لديك ثقة بالتغيير وأن يطالك. وعليك أن تدرب نفسك على الفعل دون انتظار الثمر. السنوات التى تلت الثورة لم تذهب هباء، كما يظن البعض، دفعنا الثمن غاليا، لكن ما كان لهذا الشعب أن يصل لهذا الوعى دونه. لم نعد الشعب الساذج الذى يجمّعونه بدف ويفرّقونه بعصا، لكننا أصبحنا قادرين على التفرقة بين الغث والسمين، بين الصدق والخداع، بين العهود الحقيقية والوعود الإعلامية.
لا شىء طيبًا يضيع، وثورة يناير طيبة، استغلها أصحاب المصالح، لكنهم تكالبوا على القشور الزائلة، وبقى لنا جوهر ثورتنا: كسر حاجز الخوف، والاعتراف بقوة الشارع، وحلم لا يفارقنا، وربما يكون مصدر شجننا.
(3)
ثمانى سنوات مضت على ثورة يناير، لكن مسيرة التغيير المنتظر متعثرة. نسير منذ عقود طويلة فى دائرة جهنمية، لا نستطيع الخروج منها. يطول السفر، ثم نجد أنفسنا فى النهاية عند نقطة البداية: تصور عدم وجود بديل. نواجه دوما اختبار السيئ والأسوأ، وكأننا عاجزون عن إيجاد تصور لاختيار ثالث نشارك فى صنعه. ثورتا يناير ويونيو كانتا بحثًا عن الاختيار الثالث. صحيح أننا لم نُوفَّق فى مسعانا، لكن الندم على أى منهما يشتت مسارنا؛ فالثورتان تمثلان الخطوات الأولى فى طريق الألف ميل.
(4)
طريق طويل وشاق كُتب علينا، كانت بدايته مظاهراتٍ وخروجًا للميادين للتعبير العلنى عن رفض حاضر يسرق منا المستقبل. ثورة الشارع مرحلة وانتهت، لكن علينا أن نتمسك بما حصلنا عليه بجدارة: الثقة بقدرتنا على التأثير والفعل، وأننا كمواطنين لنا حق فى أن نكون شركاء فى وضع أسس دولة المؤسسات التى تحترم دستورها ولا تتغول فيها سلطة على باقى السلطات، وأن نعيش فى دولة تحترم القانون وتعامل المواطنين بلا تمييز أو تفرقة، تحارب الفساد وتعمل وفق منظومة تتصف بالشفافية والنزاهة وعدم التستر على أى مسؤول.
(5)
ميدان التحرير الذى كان يسع الجميع ضاق على المستقبل. نحتاج لتصور آخر يجمعنا. النخبة هى القبطان الذى يوجه سفينة الوطن، وعليها أن تعترف بتقصيرها فى توجيه دفته بسبب انقسامها وتشرذمها. وعلينا أن نفكر جميعا فى تطوير أدواتنا ليصبح لنا صوت مسموع وقدرة على التأثير على صانع القرار، وألا يُفقدنا التعنت ثقتنا بقوتنا.
الرهان على السلطة دائما مُخيب للآمال. يجب أن تتأكد أن مَن فى السلطة ليس أفضل منك، وربما أنت فى وضع أفضل منه، فليس لديك الضغوط التى عليه، والمواءمات التى تستنفد قدرته على التفكير الحر المستقل دون تبعية أو حسابات.
(6)
علمتنى الأيام أنه لا شىء باقٍ إلا الشعب وأرض الوطن، وتأكدت بعد ثمانى سنوات أن هذا الشعب سيصير يومًا ما يريد.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع